"بكين"
حرصت اليومين الماضيين على متابعة دورة ألعاب القوى للعالم المقامة هذه الأيام في العاصمة الصينية “بكين”؛ تسمرت لساعات أمام شاشات العرض استعرض بأعمال الجري وأنشطة رمي القوس والوثب والقفز والمشي وغيرها، شاهدت كثيراً من أعلام الدول ترتفع وتخفق ولمحت علامات التحسر حين الإخفاق، وقفزات طفولية في موعد النصر؛ توج الأبطال بالذهب والفضة وتراص الجمهور يوثق الحدث لنفسه وللتاريخ، وأنا المتيم قد نحرت فؤادي إذ من بين الرجال السمر الممتدي القامات، لم ألمح صبياً عليه علم السودان أو ماجدة تعرض به فاكتفيت بنصرة أهل الجوار في كينيا وإثيوبيا وبعض السمر ولو كانوا لاعبين باسم أمم بيضاء.
لا ألوم الاتحاد السوداني لألعاب القوى لقناعتي أنه بذل ولم يستبق شيئاً وأؤكد لو التفاصيل نشرت لاكتشفنا أن بعض ممثلينا خاضوا التصفيات في هذه البطولة أو غيرها على حساب اللاعبين ومجهودات مدربيهم وبالسفر بواسطة (الدين) وفضل زاد و(زوادة) يوفرها كريم ! رغم أنهم يلعبون ويجرون ويسعون بواسطة وطن اسمه السودان ومن حق وزارة المالية والشباب والرياضة أن تدفع لهم المشاركات والنثريات، ولأن هذا لا يحدث صارت مواهبنا في ألعاب القوى طلبة الدول الساعية للحصول على مجنسين. ولعلكم لاحظتم أحد هؤلاء وهو يحمل اسم سوداني كامل الجرس والمعنى مشاركاً تحت علم دولة عربية شقيقة ومما لا أشك فيه أنه حين عزف السلام يتمتم سراً (نحن جند الله)، فوطني لو شغلت بالخلد عنه لانشغلت به النفس جرياً على سابقة صديق أيوب أمام لاقط هيئة الإذاعة البريطانية.
إن مثل هذه المحافل الرياضية لا تقل أهمية ودبلوماسية عن سفر وفد سياسي لمنشط أو مكره بالخارج بل إنها أهم وأعلى قيمة في حمل رسائل الوطن إلى كل البقاع؛ وطن صار جل علم الآخرين به منحصراً في قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي أو الدولي؛ بلد صار يحقق ربطاً للآخرين بوظيفة المبعوث فإن لم يكن لدولة فإنه لمؤسسة دولية أو إقليمية مع حضور دائم للقيادات السودانية خاصة المعارضة أمام الدور والنوافذ، وفي ساحات الانتظار بالمطارات والفنادق وكلها أنشطة لا ترفع علم البلاد أمام العالمين بقدر ما ترفع جثتها !
مطلوب وبشكل عاجل التفاتة منهجية ومنظمة لدور الرياضية في المناشط الأخرى ودور الثقافة هذه الوزارة اليتيمة التي لا تأبه لها الحكومة أو أحزابها رغم أن الفعل الثقافي مرات عديدة أمضى وأنفذ من الفعل السياسي على صخب الثاني وعلو هتافه مع بؤس مردوده، فاستيقظوا رعاكم الله وحياكم؛ فإن كانت كرة القدم قد حققت بالهلال والمريخ إفساحاً ايجابياً على صعيد الأخبار الصيت أفريقياً فهذه البلاد المعطاءة لها أكثر من بطل وقامة في الجري والملاكمة والسباحة ونحن بلد بين السهل والنهر ولكن عميت الأبصار والبصائر.