تفسير النوايا
أعلن التشكيل الجديد لحكومة ولاية الخرطوم بالقائمة المعلومة للجميع ، من وزراء ومعتمدين ومعتمدين بالرئاسة وسينطلق الفريق أول مهندس “عبد الرحيم محمد حسين” في مشروعه السياسي والتنفيذي الأهم في مسيرته الكبيرة والممتدة، ولا أذيع سراً إن قلت أن ثمة تفاؤل بالرجل لكونه من أصحاب الهمم والعمل الميداني ولثقة الناس في المؤسسة العسكرية وقدرتها على الانجاز خاصة مع الحكام العسكريين في الخرطوم عيناً منذ أيام عهد المحافظات في العاصمة المثلثة، ورغم أن التشكيل يمكن أن يحلل بأكثر من زاوية إلا أن حدثاً لافتاً حرف الأمر إلى استعار نقاش صحفي وإعلامي امتد للأسافير حول تسمية الكاتب الصحفي والناشط المعارض “حسن إسماعيل” وزيراً بالخرطوم وهو من كوادر حزب الأمة المعارضين منذ عهد الطلب إلى انشقاقات الأفرع والأذرع، فسلك الرجل فج السيد “مبارك الفاضل” ثم اختط لنفسه منهجاً ثورياً جعله خطيب الثورة السودانية المنتظرة ثم سرعان ما التحق بحزب الأمة جناح الدكتور “الصادق الهادي المهدي” (القيادة الجماعية) ليظهر ضمن حصته في محاصصة السلطة الولائية.
اثار تعيين “حسن” ضجة لم تهدأ وبدا وكأن الأمر شكل صدمة لقطاعات واسعة من الناشطين الذين أحسوا بالخذلان وربما الخيانة وأمتد ذات الأثر حتى للقواعد المؤيدة للحكومة سواءً كان تأييد التزام أم سند وموالاة مطلقة السراح، إذ عرف أن الوزير في أيام خصومته للنظام سلك منهجاً قاسياً وربما فظاً يخرج مرات عديدة عن حدود اللباقة، وصحيح أنه لم يحمل سلاحاً أو يريق دماً لكنه اختط نهجا أوقعه في اشتباكات حوارية وملاسنات في غير مرة مع مؤيدي المؤتمر الوطني، وكل هذا مفهوم ومعلوم في عراك السياسة وساحاتها بيد أن ما أحدث الفرقعة أن الانتقال السريع تم دون تهيئة لمسرح الحدث، فمن أقصى حدود المعارضة إلى حزب شريك في السلطة ثم إلى تمثيل ذات الحزب في السلطة نفسها، جرت الأمور بشكل متسارع لم يوفر مساحة للإيضاح أو تقديم حجج منطقية فتنامى عند كل الأطراف الشعور بالاستحمار!
الذائقة الأخلاقية لما جرى أوجدت مرارة أسالت جرعات من الألم في الجميع، فالمعارضة أصيبت مثالية دعوتها للصمود والمواجهة في مقتل، إذ يعلو الآن إحساس بأن كثير من أوجه النضالات والبطولات إنما هي إدعاء لاعتلاء صهوة جواد الطموحات الشخصية، ويقابل هذا إحساس من جانب الفريق المناصر للمؤتمر الوطني بأن لا ضوابط أخلاقية لحزبهم إذ بمنهجية (ما في قشة مرة) يمكن لتقديرات الكسب وإسكات الأصوات المزعجة تقشير جزرة السلطة لمن يكون فمه قد يلصق بديباجة وزير أو حقيبة سلطان! وبين التقديرين يجتهد المتهمون في هذا لإقناع الرأي العام بأن ما جرى من أوابد العمل العام والسياسة إذ لا عداوات دائمة أو بتفسير أكثر جاذبية الركون لمفاهيم التسامح والتسامي لأجل الوطن
عموماً ليس من الحكمة بالطبع محاكمة النوايا، ولكن من تمام الحكمة كذلك تفسير النوايا.. ولا شنو..