"جقود"!
تعتبر جلالة ومارش (ود الشريف رايو كمل) من روائع أعمال الموسيقى العسكرية السودانية وأعرقها، وقال بعض الباحثين في هذا الضرب من الإبداع الوطني المهمل، إن الفنان “خليل فرح” استخدم لحنها كمقدمة لأغنية “عازة” التي أصبحت من الأغنيات الوطنية المشهورة. ومن يقول بهذا الرأي د.”محمد سيف الدين علي التجاني” أحد المجدين في هذه المباحث. وتعود قصة هذا المارش إلى تكليف قائد يدعى ود الشريف لإخضاع منطقة (دارقمر) بمنطقة جنوب دارفور لحكم المهدية، لكنه وجد مقاومة قادها أحد الفرسان المحليين بالمنطقة ويدعى “جقود)”، صمد أمام ود الشريف ثم سرعان ما ألحق به هزيمة بائنة فر على إثرها الأخير، مندفعاً طالباً للنجاة بنفسه لتقع (شالايته) أو رداء على كتفه أو ما شابه فذمته – ذمت الفار- أحد الحكامات قائلة (ود الشريف رايو كمل رايو كمل ، جيبو لي شالايته من دار قمر، يا عباد الله حلوني من جقود).
مناسبة هذه القصة بوادر اعتراك حول جدل القمح وفك الاحتكار، ورغم أن القرار بكل الصيغ لا يبدو أنه ضد مصلحة المواطنين، أو حتى مصلحة بعض رجال الأعمال إلا أن غباراً متصاعداً يلوح في الأفق أخشى أن يهيل التراب على المواقف والأرقام والحقائق وتتحول المسألة كلها إلى تهارش، لا يعرف فيه المرء أين يقف “جقود” وأين موقع ومخرج (ود الشريف)، ولمن ستغني الحكامة ممجدة أو ساعية بأشعار الذم! ففي مسألة كهذه لا يبدو أن الاشتطاط في التأويلات مفيد لأي طرف، وبدا لي والله أعلم أن السيد “أسامة داؤود” قد نحى بالأمر اتجاهاً لم يكن وارداً في تقديرات الجهات التي أصدرت القرار، وهي أي الحكومة مسؤولة ولها مهام ووفقاً لذلك قدرت أنه من الأفضل إجراء بعض المراجعات السابقة في هذا القطاع، وإن كان لجهة شركة أو مجموعة أشخاص تضرر ملموس فثمة أكثر من طريقة للمعالجة وحفظ حقوق ومصالح كافة الأطراف. وأعتقد أن الدكتور “عادل عبد العزيز” الاقتصادي المعروف كان قد حرر مقالة في هذا الاتجاه اعتبرها وافية وكافية.
ما يهمنا في هذه المسألة أن تتخذ الحكومة القرار (الصاح)، وكذلك رجال الأعمال المساندون لموقفها أو الرافضون له، فطالما أن مصلحة الشعب والوطن هي المقصد فلا أعتقد أن هناك فرجات في مواقف الجميع ويمكن بقليل ترتيب وتدبير وضع الأمر في سياقه الصحيح، بما لا يجر الكل إلى الحروب الكلامية واتساع مظلة نظريات المؤامرة. وإن كان المطلوب في هذه المرحلة على الأقل التنوير والتوعية بالأرقام والتفاصيل بطريقة مقنعة، وليكن بعدها الحكم عادلاً، وأظن في آخر الأمر ومنتهاه أن بعضاً من حساسية وضعية سلعة مثل القمح أنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بمعاش الناس وقوتهم، وأيما تجاذبات غير موضوعية في هذا الصعيد ستحدث اهتزازات لم يكن من داع لها.