ندوات (داعش)
لا تزال الخرطوم تعاصر ظاهرة مكافحة (داعش) أو تنظيم الدولة الإسلامية بانعقاد الندوات ومجالس طق الحنك، كأنما ندوة أو ندوتين كفيلة برد الشباب عن الالتحاق والانخراط في التنظيم الشبح الذي لا يدري أحد أين حاضنته في الخرطوم، وكيف يغفل الناس عنها لدرجة أنهم – أي السودانيين- يسمعون فقط بأسماء أبنائهم أما من فوق تلة إعلان بيان التحاق أو تغريدة نعي ! الأمر والمسألة تحتاج إلى إعمال بحث أعمق مما نرى فالقضية ليست اجتهادات وقدرات في عرض النصوص والتفاسير والإبحار بالمتلقي في فروقات الجماعات والمذاهب والأمر في تقديري يتطلب سبر نقطة جوهرية اسمها جواذب ذاك التنظيم للناس، إذ لا يمكن إلغاء عقول من ذهبوا أو رميهم بأنهم مغيبون، خاصة وهذا هو الراجح من غالب الناهضين إليه من المتسلحين بالعلم والوعي إلى حد ما مما يضعف فرضية التغييب والالتباس في القناعة.
وإن كان أولئك متطرفين وهنا متسامحون فالسؤال هو لماذا عجز تسامح الطرف هذا عن التأُثير في ذاك ولو أن كل التنظيمات والجماعات الدينية والأحزاب والخطباء، أداروا كل في مظان اختصاصه ودائرته أنموذجاً للدولة والحكم الراشد والبيان العملي بالتميز لكفونا شرور الجدل المستعر فوق المنابر، إذ لا يمضي يوم إلا وانعقدت ندوة أمها الناس ببيض الثياب وطيب الحديث والإبانة ثم ينفض اللقاء على أن ينعقد في مكان آخر جامعة أو باحة منشط يكتظ فيه السامعون لتكرار ذات الدفوعات بين الشرح والاستعراض. ولا أقول إن هذا جهد منكور أو غير مفيد لكن اعتقد أن الأسلم الاتجاه إلى معالجات عملية وخطوات أكثر من مجرد الحديث.
إجراءات مثل التشدد في اشتراطات السفر تجاه الشباب لن تكون كافية، فمن يمنح روحه لفكرة ومعتقد لن يعجزه الخروج ولو بحفر نفق عند الحدود أو توظيف استيفاء شروط المغادرة بمنطوق نصوص القانون نفسه، إذ لن يكون منطقياً أن تمنع شخصاً من مغادرة البلاد طالما أنه استوفى كل المطلوبات والقانون له بظاهر الإجراء وليس نوايا المسافر! ومثلها أي إجراءات أخرى بما فيها التوقيف والملاحقة فكلها أعمال غير أنها مرهقة للسلطات وتحتمل أشكالاً من التوترات البلاد في غنى عنها، ولهذا لا خيار من استحداث مناهج أكثر ايجابية وأنشطة ذات أثر وعائد وهو عين واجبات الجماعات الدينية كلها والأحزاب والمجتمع بأسره بما في ذلك الأسر والعائلات حتى يتم إيجاد مجتمع فيه حوار داخلي صريح وشفاف بالإجمال، وفيه مساحات للقدوة والنماذج التي تؤسس لشكل الدين الصحيح والتدين المطلوب إن قر في نفوس الآخرين أن النماذج المنتقدة الآن لا تمثل الإسلام أو تعبر عنه من حيث النصوص والممارسة.
أعتقد أن الجميع بحاجة لأداء أفضل مما أرى في تتبع هذه الظاهرة، وإما إن كان الأمر (موضة) وتبادل عدوى منشطية فليكن، وأنتم وذاك.