السودان ومصر.. المصالح المشتركة تحكم مسار العلاقات السياسية
“البشير” يشارك في افتتاح قناة السويس الجديدة
تقرير- فاطمة مبارك
ظلت العلاقة بين الحكومة السودانية والحكومة المصرية في تطور مستمر منذ تولي الفريق “عبد الفتاح السيسي” الحكم في مصر، وظهر ذلك عندما أكد “السيسي” رغبته في إقامة علاقة مميزة مع السودان وعضد هذا التأكيد بأول زيارة للسودان كأول بلد يزوره.. ومن جانبه رد الرئيس “البشير” هذه الزيارة، وأصبح في تواصل دائم مع “السيسي” الذي أصر أن يكون ضمن الرؤساء الذين شهدوا تنصيب الرئيس “البشير” في أوائل شهر يونيو الماضي رغم الأوضاع المتوترة التي كانت تعيشها مصر.
الزيارات المتبادلة بين الرئيس “البشير” والفريق “السيسي” كانت عكس ما ظنه الناس حينما اعتقدوا أن الموقف الرسمي للحكومة السودانية سيتوافق مع المرجعية الفكرية لحزبها الحاكم القريب من إخوان مصر، لكن الحكومة السودانية حسمت هذا الجدل في حينه حينما قالت إن ما يدور في مصر شأن داخلي، ومضت في طريق بناء علاقة سياسية تقوم على المصالح المتبادلة، وكانت تفكر في إبعاد شبهة قربها من الإسلاميين حتى تتبرأ من تهمة الإرهاب التي أعاقت تقدم علاقتها مع دول الخليج وأمريكا في وقت يعاني فيه السودان من مشاكل اقتصادية.. الحكومة المصرية كذلك كانت تنظر للعلاقة مع السودان من زاوية ملف مياه النيل وبناء سد النهضة الإثيوبي.
في السياق، أكد الأمين السياسي للمؤتمر الوطني “حامد ممتاز” في حوار أجرته معه (المجهر)، أكد أن العلاقة بين السودان ومصر علاقة أزلية بين شعبين يربطهما رابط واحد سواء من ناحية العلاقات الاجتماعية أو حتى المصالح المشتركة، وأشار إلى أنهم ينظرون لهذه العلاقة في إطارها الكلي بين شعبين بغض النظر عن وجود الأنظمة في البلدين، وهذا هو الأساس لمنطلق العلاقة السياسية الخارجية بين شعبين، منوهاً إلى أن حزبه مع أي اتجاه إيجابي يدعو لاستقرار العلاقة بشكلها الكلي.
مراقبون كثر حاولوا قراءة العوامل والمتغيرات التي أدت إلى التقارب بين حكومة الفريق “عبد الفتاح السيسي” والمشير الرئيس “عمر البشير”، حيث عزا محللون كثر استقرارها إلى وجود مصالح تحتم وجود تفاهم بين البلدين تمثلت في موضوع مياه النيل، والأشياء التي استجدت بعد دخول سد النهضة في هذه المعادلة، لا سيما أن مصر أصبحت تعوّل على دور السودان فيه.
من ناحيته، عدّ دكتور “عبد اللطيف البوني” سد النهضة من أهم العوامل التي تفرض وجود علاقة بين مصر والسودان، كما أن العلاقة بين مصر والسعودية لم تعد هي العلاقة التي كانت تربط البلدين أيام الملك المرحوم “عبد الله” حيث وقفت السعودية مع “السيسي” دون شرط في حربه على الإخوان من خلال حلف مصري إماراتي سعودي. وأشار إلى أن موقف السودان الواضح مما يجري في مصر واعتبار ما يدور فيها شأن داخلي وجد تقديراً من حكومة “السيسي” لكون السودان لم يطلب منها شيئاً تفعله تجاه الإخوان.
وأكد إشارات “البوني” بشأن سد النهضة بروفيسور “الساعوري” بقوله إن العلاقة مع مصر لن تتحسن وتصبح حميمة ما لم تتحسن العلاقات المائية في حوض النيل الشرقي. وقال لـ(المجهر)، أمس، إن مصر منذ الاستقلال ربطت علاقتها بالسودان بمياه النيل، وكلما حاول السودان البحث عن حقوقه والاستفادة منها أكثر والبحث عن فرص للاستثمار تتوتر العلاقة بين البلدين. ودلف “الساعوري” إلى قراءة هذا الارتباط عبر الحقب السياسية والتاريخية المختلفة، ذاكراً أن العلاقة توترت في 1957 عندما اختلف “عبد الناصر” مع “الأزهري” إثر تمسك “إسماعيل الأزهري” بمراجعة اتفاقية مياه النيل والإصرار على توسعة الزراعة في مشروع الجزيرة والمناقل، وفي 1958 تكرر نفس المشهد مع “عبد الله خليل” عندما أصر على ذات الشيء، وقال: (إصرار “الأزهري” كان سبباً لدخول “عبد الناصر” حلايب آنذاك، ولم تتحسن العلاقة إلا بعد اتفاقية العام 1959، وعندما جاء أهل الإنقاذ وطالبوا بإعادة النظر في اتفاقية 1959 ظهر موضوع حلايب على السطح مرة أخرى، لذلك أقول إن العلاقة مربوطة بموضوع المياه).
قد يكون معلوماً ربط العلاقة بهذا الملف المهم، لكن اللافت للانتباه هذه المرة أن الحكومة المصرية تبدو الآن أكثر حرصاً على دفع ثمن لهذه العلاقة، وظهر ذلك من خلال استعدادها لدفع مقابل ذلك، فقد ظلت طوال تاريخها تتلقى من السودان التنازلات، لكن بالأمس ظهر ما يمكن عدّه بادرة لتبادل التنازلات مع السودان، حيث أصدر الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، أمس (الخميس)، عفواً عن (44) سودانياً كانوا محتجزين في القاهرة بتهمة الضلوع في إحدى قضايا التسلل على الحدود المصرية، وتأتي الخطوة بعد ساعات من عفو مماثل أصدره الرئيس السوداني بحق صيادين مصريين.
ودخل السودانيون الأراضي المصرية للتنقيب عن الذهب، حيث امتهن مئات الآلاف من السودانيين حرفة التعدين التقليدي، ما يضطرهم أحياناً لعبور حدود الدول المجاورة بحثاً عن المعدن النفيس. ووصل المعدنون السودانيون إلى مطار بورتسودان على متن طائرة مصرية أمر “السيسي” بتوجهها إلى السودان لإجلاء (101) من الصيادين المصريين المحتجزين لدى السلطات السودانية منذ أبريل الماضي. ووصلت طائرة مصرية من طراز “أيربص” إلى مطار بورتسودان، وغادر على متنها الصيادون إلى القاهرة.
وكان رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” قد أصدر، (الأربعاء) الماضي، قبيل توجهه إلى مصر للمشاركة في افتتاح قناة السويس الجديدة، قراراً بالعفو عن العشرات من الصيادين المصريين المحتجزين في السودان، وذلك بعد التشاور مع وزير العدل.
وقال وزير الدولة ومدير عام مكتب رئيس الجمهورية الفريق “طه عثمان الحسين” لوكالة السودان للأنباء إن العفو الرئاسي يأتي في إطار احتفال شعب مصر بافتتاح قناة السويس.
وفي سياق مماثل لدفع العلاقة توقع بعض المتابعين أن يتم قريباً الإعلان عن تكوين قوة دفاع مشترك بين البلدين، وربطوا بين هذا التوقع والدعوة التي بعثتها الحكومة المصرية للرئاسة السودانية للمشاركة في بروتوكول إنشاء القوة العربية المشتركة، التي جاءت مع دعوة مراسم افتتاح قناة السويس الجديدة.
ما بدر من البلدين لا يمكن عدّه خطوة في اتجاه علاقة إستراتيجية، لكن يمكن أن يصنف في خانة تلطيف الأجواء للعبور بعلاقة المصالح السياسية إلى بر الأمان.