النشوف اخرتا
ثمة من ..
سعد الدين ابراهيم
كنت ألتحف السماء تلك الليلة .. فأبصرت نجمة بعيدة .. وحدها تشع أكثر .. ترسل ضوءاً براقاً.. فتميزت عن رفيقاتها..ركزت عليها أحدق بقوة .. جاءت سحابة رمادية غطتها..لكن ضوء القمر يتسلل من بين ثنايا السحابة.. انتظرت انقشاع السحابة وعودة البريق .. لم تعد.. ثمة من خنق النجمة !
كنت أتجول ببصري في البستان .. أطلت زهيرة شجية الألوان .. تتلاصق ألوانها.. تحلق حولها نحلة ثم تنصرف.. فراشة ثم تنصرف.. نسمات رقيقة جعلتها تتراقص.. تلبد السماء.. هبت ريح.. ترنح الغصن حدقت ملياً.. سقطت الزهيرة على الأرض هناك.. ثمة من خنق الزهرة !
كانت أسراب الحسان تتهادى بين أفياء الظلال.. حسناء ذات خال على خدها.. كانت أكثرهن حسناً.. أرقبها تمشي كما السيف مستقيمة.. كما النخلة شامخة.. أرقبها بملامحها العذبة .. تمضي رشيقة.. تجرها يد فولاذية.. تترنح .. تسقط.. ثمة من خنق الحسناء !
ركت حمامة بيضاء على شباكي .. لم أهشها فكان بياض ريشها وهي تنفضه برفق يشكل لوحة بديعة.. هتفت الله الله على من جعلها رمزاً للسلام.. لعله بيكاسو.. ولعل قبله من وضع في منقارها غصن زيتون .. كنت لا أبدي أي حركة .. كنت حريصاً على السكون حتى لا تفزع فتطير .. فجأة امتد مخلب خبط على الشباك.. ثمة من خنق الحمامة!
طفلة سمراء .. تتقافز بفرح طفولي.. ضفيرتاها مرجيحتان تلامس وجهها الجميل مرة .. وتنأى عنه مرة .. تداعب خدها كأنها تخطف قبلة سريعة ثم تبتعد .. طفلة كأنها خرجت للتو من أحجية .. تجري برفق وهي تردد أهزوجة شجية .. تملأ الشارع بحبور فطري حميم.. عبرت شاحنه بقوة.. طارت ألطفله في الهواء ثم حطت على الأسفلت .. ثمة من خنق الطفلة السمراء!
غزالة وديعة .. رقيقة الملامح .. جميلة العيون.. هربت من قفص هناك .. وجاءت تحوم حولي وأنا جالس أرقبها.. تتلفت في خوف من يد تمسك بها وتعيدها إلى القفص.. تلفتها لم يخف عذوبتها .. وقفت تصيخ السمع قليلاً .. ثم سارت في خيلاء لا يتسق مع ذعرها .. الجمال حف بها .. ففتحت لها أحضاني عندما هرعت إلى التف حبل حول رقبتها.. وجروها بعيداً .. ثمة من خنق الغزالة !
نظرت إلى الشمس البعيدة هتفت لها: (يله ذوبي في المفاصل طاقة الحزن الرهيبة .. أرجع أرقص والسنابل رقصة الفرح الحبيبة) .. سأصطادك يوماً أيتها الشمس .. حدقت.. فإذا بالضوء يخفت جاءت أسراب صقور سوداء كثيرة.. غطت الشمس احتجبت عني فتساءلت هل يا ترى ثمة من خنق الشمس هل وصل (الخناق) إلى الشمس ذاتها؟!