كوة على جدار
فتحت زيارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا كوة وطاقة للضوء على الجدار القائم بين الخرطوم وواشنطن. وبغض النظر عن أجندة الزيارة الأخرى للضيف الأمريكي الثقيل التي تشمل حتماً وقطعاً بحث مظان مصالح بلاده في بلد الهضبة، فالراجح أن امتداد تلك المصالح عجل بالبحث عن تسوية ومعالجة لوضعين يؤرقان الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب السودان، إذ كانت البلد الذي دعم اتجاهات الانفصال عن السودان الأب، وكان من المأمول أن يشكل البلد الوليد إلهاماً لحلم الإدارة الأمريكية بتعميد مولود جديد بالمنطقة، لكن الأمر انتهى لما يعلم الجميع من فشل وخيبة جعلت أكثر المسؤولين الأمريكيين حماسة لما جرى من انفصال غير قادر حتى على التعبير بالخيبة!
الوضع في الصومال يبدو كهاجس آخر والذي وإن هدأت وتيرة الأحداث وتراجع في مشهد البورصة الإقليمية إلى الوراء قليلاً لكنه يظل طلبة مظان شواغل الأمن القومي الأمريكي المتحسب لأي تقلبات بالمشهد الأفريقي على خلفية تمددات (داعش)، الذي إن هبط على السواحل الصومالية فإنه سيزرع القلق في كامل المنطقة الممتدة من جزيرة القرنفل إلى الداخل الأفريقي في العمق المتصل إلى كينيا ونيجيريا، وهو ما سيمكن التنظيم الظاهرة من أن يدير معركته في شكل قوس يعبر من المنطقة العربية شرقاً إلى اتجاه الغرب مما يصنع شبكة ستكون واسعة الامتدادات لا سيما مع وجود شواهد ضمن تحركات “بوكو حرام” الزاحفة نحو رمال مالي وما جاورها، وظهور إشكالات أخرى في الصحراء الليبية.
الأمور في جنوب السودان لا يبدو أن ثمة حلولاً مريحة بشأنها، فمع علوق وساطة (إيقاد) في الاقتراح وسحب الاقتراح، ومع استمرار تمسك كل طرف من أطراف النزاع الجنوبي بتصوراته، فالراجح في أغلب التحليلات أن حالة الاحتراب ستظل قائمة ما لم تقع مؤثرات فاعلة تخيف الطرفين أو تجعل الغلبة لأحدهما على الآخر.. وبالتالي، وبالنظر إلى خيارات واشنطن في جنوب السودان والصومال فإنها تحتاج وبشدة إلى مساندة القوى الإقليمية بالجوار والتداخل.. وصحيح أن لأوغندا سهمها و(جندها)، وبقدر أقل كينيا، وبقدر (سياسي) إثيوبيا، لكن اللاعب والعنصر الأهم بين هؤلاء هو السودان، فهو الأكثر اتصالاً عبر الحدود مع الجنوب، وهو البلد الذي تواجهه ساحة الحرب الحقيقية وميدان العراك في أعالي النيل الكبرى بنطاق يمتد ويتداخل مع أكثر من ولاية وإقليم سوداني، مما يوفر للسودان فرصة أن يكون صاحب القول الفصل إن أراد الانحياز لهذا الطرف أو ذاك بما يقلب ميزان المعركة بالكامل.
ووصلاً لهذا، فحتى في ملف الصومال فإن الخرطوم هي الأكثر تأهيلاً للمّ شعث الفرقاء الصوماليين، فلا لنيروبي قدرة أو قبول، وأما كمبالا فإنها أكثر المبغوضين في الأزمة، ووضعية أديس أبابا تحتوي على حساسيات تاريخية رغم التداخل الإثني الذي جعل للقومية الصومالية الإثيوبية تلفازاً وإقليماً معترفاً به ووجوداً معتبراً مقدراً.. لكن وضعية الخرطوم تختلف تماماً، فهي العاصمة الوحيدة التي يمكن أن يجتمع تحت ظلها وكلمتها الفرقاء الصوماليين من القوميات والجماعات كافة، وواشنطن تعلم ذلك لأنها اختبرته مسبقاً.. ولذا فليجلس البروف “غندور” فوق عديلو.