تقاربوا وتواصوا
الظرف الدقيق الذي تمر به بلادنا، والتطورات المتصاعدة وكثير منها مثير للقلق خاصة على صعيد الإشكالات الاقتصادية التي برزت مع اتجاهات ومقترحات لرفع الدعم وهي أمور قد ترفض من البرلمان أو الحكومة نفسها لجهة أنها الآن محض مقترحات وآراء ولكنها في كل حال أحدثت حالة من الشد والتوتر الذي يتطلب أن يتوافق السودانيون بكافة مشاربهم وأطيافهم وتوجهاتهم على إعمال الحكمة العميقة في التعامل مع الأوضاع سواء في حال التعامل معها معالجة أو استدراكاً، وعلى كل صاحب بصر وبصيرة أن يدلي برأيه وتصوره بما يحقق صالح الجميع، ولكل دوره وواجبه والمطلوب منه بحق المواطنة والشراكة، وسيكون من تمام الحكمة أن يتقدم حتى المعارضين بآرائهم وعلى الحكومة السمع والطاعة إن كانت الحكمة والمنطق حاضرة.
لن يسلم الوطن من الأذى إن ركن الجميع للتشفي، وساروا بالأمر تحت ظلال الانتقام للنفس، والنفس أمارة بالسوء خاصة في مواطن الانفعالات التي تسببها وتخلفها مثل هذه الطوارئ، ويجب أن يظل حسن الظن في الآخرين متوفراً، قد يجرم فصيل وقد تنفلت طائفة، ولكن الأصل في الأشياء يجب أن يبقى السلام، الوطن، الكيان فكلنا حكام ومعارضون فانون وذاهبون وسيبقى السودان نتقاتل على ثراه ونريق دماءنا، فما تزيده إلا قوة وما تزيده إلا صلة ورسوخاً لأنه اسم يبقى وكتلة من التاريخ لا تذوب في عروض تجارة السياسة أو بحور تقديراتها صحت أم لم تصح.
إن مثل هذه الظروف هي التي قد يوظفها البعض من المتاجرين بالتشنج لصب مزيد من زيوت الكراهية للاشتعال إنما تواجه بالوعي خاصة لدى الحكومة وقادتها ورموزها باعتبارها المكلفة بالأمر والقائمة على رعاية الآخرين. في مثل هذه الظروف نحتاج إلى خطاب عظيم الثقة في الغد، وإنه نهاية المطاف للوصول إلى غايات الاستقرار، فإن أساءت جهة أحسنت بقية الجهات وإن تفلت متعصب ألجمته أخرى، فما يكون أمرنا إلا هدوءاً وسكينة يصلح معها أن يتدارك الناس أمر الكسر والجرح بالتطبيب والتطييب، ومن بعدها نقوم فرادى وجماعة للمحاسبة، فإن ثبت خرق وتجاوز من شخص رد الأمر إلى عدالة التقييم والفعل الناجز الذي يرد الجميع إلى نهاية الإحسان والحسنى.
وفي مثل هذه الظروف فإن التعويل جد كبير على الصحافة لتكون حاملة للبشرى وناشرة للوعي وقائمة بأمر دعوة الإرشاد والتصويب دونما مزايدات راجلة، وأنفاس لاهثة تمارس انتهازية السبق أو تتوغل في أحراش المزايدة فتفسد من حيث تظن الإصلاح وذلك أن الأجواء الآن بالجملة ملبدة بغيوم الشك والظنون الفطيرة، فإن انجرفت الصحافة إلى أتون معركة التهييج فلن نكسب إلا وطناً من الخرائب وحشود الأشلاء الممزقة، وأن المسؤولية إذ تتضاعف وتتوزع بثقل موحد على كل القطاعات والقوى والفعاليات، فإن للصحافة دوراً كبيراً منتظراً في أن تكون مرشداً أميناً وناصحاً محايداً وموثقاً بالحق لما يجري.
وحفظ الله الوطن وأدام أيام سعده وأطالها وهو يوم يراه البعض بعيداً ونراه قريباً إن صدقت النوايا وصح العزم والمقصد.