من وحي الأخبار

الحوار الوطني

بت أقرب قناعة إلى أن مشروع الحوار الوطني الذي مضت به الأشهر وأخشى أن تمتد إلى السنين، يواجه معضلة حقيقية اسمها الإرادة القادرة على الانتقال به من مربع الحديث الإنشائي الجميل إلى الفعل الناجز. فقد ظل عالقاً في خانة منشورات وتبشيرات اللجنتين (7+7) حتى ما عاد أحد يصدق خبراً من تلك اللجنة التي تقول دوماً إنها تجري اتصالات مع الممانعين، ثم لا نرى أثراً من قول وتطور إيجابي من حامل للسلاح أو رافض من قوى الداخل.
حتى اللقاء المرتقب مع رئيس الجمهورية فقد أعلن أكثر من ثماني مرات أجلت كلها، وشخصياً أعتقد أن لقاء الآلية أو اللجنة مع فخامة الرئيس في ظل عدم الاتفاق على مواقيت وعدم وجود جديد لا داع له، خاصة أن الجلوس مع راعي الحوار الوطني وضامنه الأول وصاحب المبادرة كرئيس للجمهورية، يجب أن يكون له ما بعده وأن يحوي انتقالات لافتة في المشروع برمته. وبغير هذا فمن الأسلم والأوقع أن يتم تجاوز هذا اللقاء إلى حين ميسرة، إذ لن يكون لائقاً أن يجتمع القوم ثم ينتظر الشعب والمتابعون ستة أشهر أخرى لنرى طحنا !
ثمة إشكال حقيقي في هذا المشروع وأخشى أن يقضي ذلك عليه إن لم يكن بالفعل قد قضى، وهو أن الزمن والتطورات والوضع السياسي والاقتصادي والوضع المعنوي ليس في صالح ما يمكن وصفه في العامية بالجرجرة والعلوق في إشكالات لجنة السبعتين أو تلكؤ الحركات المسلحة وعدم اتضاح الرؤية لبعض الأحزاب والقوى السياسية التي لا هي رفضت الحوار جملة أو قدمت اشتراطات موضوعية، مما يعني أن انتظارها لن يفعل شيئاً سوى قتل المبادرة بطريقة ناعمة. وهكذا تحول الأمر برمته إلى وضع عالق وكأنما لا يملك فيه القدرة على إحداث اختراق للقيام أو المنع والشطب من أجندة الوطن والمواطنين.
المؤتمر الوطني نفسه صاحب المبادرة والقائم عليها ضمن شراكة مع الآخرين يبدو مرهقاً، فقد خرج من عراك الانتخابات فدخل في تشكيل الحكومة الجديدة ثم تشكيل نفسه بعد التعديل الذي قضى بتسمية نائب جديد لرئيس الحزب حل فيه المهندس “إبراهيم محمود حامد” في موقع البروفيسور “إبراهيم غندور”، وهو ما يعني بالضرورة أن القادم الجديد (قد) يجري تعديلات في تسمية الأمناء ويحدث تغييرات في هياكل الحزب، وهو ما أوجد حالياً حالة صمت حزبي وترقب أثرت قطعاً في تواصل الحزب مع مشروع الحوار الوطني نفسه، وقطعاً فإن انسجام نائب رئيس الحزب الجديد مع الملف واستيعابه قد يحتاج إلى زمن ما، فيما لن يكون منطقياً أن يشرف البروف “غندور” من موقعه الوزاري الحالي على ملف الحوار، فهو أمر لن يجوز لائحياً فضلاً عن وزارة الخارجية نفسها معركتها كبيرة وميدان قتالها واسع وممتد.
الرأي عندي أن تفك الحكومة بمبادرة جديدة الارتباط في مشروع الحوار الوطني بين قوى الداخل السياسية والمدنية وقوى الخارج المسلحة، لأن المواءمة بين مواقف الطرفين تبدو عصية ويمكن إدارة حوارين بموجهات مختلفة لاختلاف طبيعة نقاط الخلاف ومطالب الفريقين، ولكن يمكن التأمين على ثوابت ومشتركات أهمها الهوية الوطنية للحوار في المسارين، وألا يكون مشمولاً بوصاية أجنبية ثم الاتفاق على مرحلة تالية لدمج المشروعين والمسارين في ملتقى لترسيم الموقف النهائي. وأعتقد والله أعلم أن تحركاً مثل هذا قد يجذب ويكون جاذباً خاصة في الشق المرتبط بالحركات المسلحة والقوى السودانية الممانعة بالخارج (الصادق المهدي مثلاً)، وربما يحدث مفاجآت سارة لصالح تسوية سياسية سلمية يحتاجها الوطن وبشكل عاجل.
إن الإصرار على الحوار الوطني بشكله القديم لن يسلم الجميع إلا للانتظار، وقال وأكد لا أكيد أو مؤكد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية