رأي

العيد في الخرطوم

تجانى حاج موسى


بعد إعلان مجلس الإفتاء بأن يوم (الجمعة) هو أول أيام عيد (الفطر المبارك) أعاده الله على أهل السودان بالخير العميم وبالسلام، جيت من الموردة عادة ما أتناول إفطار آخر يوم مع أولاد (الجريق) بحي الموردة العريق وأجلس بالقرب من عميد الأسرة “مختار التوم” وشقيقيه كابتن “عمر التوم” ومولانا “عبد الله التوم” وبقية أهله.. والله العظيم هذه الأسرة تحتاج مني كتابة مقالات عن سيرتها وأنا على يقين أن هنالك العديد من الأسر الكبيرة تحتاج إلى التوثيق لإبراز ما قدموه للمجتمع السوداني.. “مختار” هذا من أوائل الإداريين الذين عملوا داخل السودان وخارجه لا سيما أهل الخليج يذكرونه بكل خير خاصة معاصروه الذين شهدوا عطاءه في تأسيس بلدانهم.. المهم بعد الإفطار اصطف بعض أصحاب الحاجات نساءً ورجالاً وأطفالاً يُدخل يده في جيبه ويعطيهم من ما قسمه الله، هذا المشهد شاهدته لثلاثة عقود من الزمان، الله يخلف عليك يا “مختار التوم الجريق”.
بعد “مختار” ذهبت إلى صديقي الفنان الأديب التشكيلي الخطاط “سهل الطيب”، دكانه الصغير يقع في شارع مستشفى (التجاني الماحي) المؤدي إلى سوق أم درمان، عنده نشرب الشاي ونلتقي ثلة من المثقفاتية والفنانين – في ناحية من الشارع بائع فاكهة شيخ “آدم” من أهلي الغرابة.. أحياناً أشتري منه ما تيسر من فاكهة ومحله عبارة عن درداقة.
قلت له: العيد مبارك عليك، بكرة معيدين..
قال لي: أنا ما بعيد إلا بثبوت رؤية الهلال!!
قلت له: مجلس الإفتاء أعلن لأهل السودان ثبوت رؤية الهلال!! أنا ما شفتو!! طيب وين طاعة أولي الأمر!!.. المهم أنفقنا نصف الساعة في جدل لا يخلو من قيمة، وأعترف بأن الرجل ملم بالقرآن والسنة وقارعني الحجة بالحجة، لكني فشلت في إقناعه فهو سيصوم يوم العيد!!
ترى كم من أمثال “آدم” من الصائمين بنفس حجته.. الأمر يحتاج يا جماعة الخير وقفة من علمائنا.. وإسلامنا يحتاج إلى تلك الدروس حتى لا يأتي المغالون في ديننا الحنيف.. تركته وجلسنا.. صبت المطرة والشارع يموج بالبشر والعربات مئات من أهل أم درمان ناس “العباسية” وحي “الأمراء” و”العرضة” و”الهاشماب” و”أبو كدوك” ديل في الغالب الأعم يمشوا كداري تفادياً لزحمة العربات التي تنساب ببطء شديد للازدحام.. يعني في شوية قريشات والحمد لله والله يكون في عون (الآبهات) والأمهات العيالهم كتار ويحميهم من جشع بعض التجار الذين يغالون في أسعار السلع، وبقول ليهم اتقوا الله في أنفسكم وفي طالبي سلعكم، فالحلال طيب واجعلوا من ضمائركم الرقيب وأوفوا الكيل والميزان واخشوا يوماً تسألون فيه عن كسبكم..
واحد عيد عليَّ وعلق على المطرة: يعني ما تجئ إلا وبكرة العيد؟! قلت له: المطر رحمة.. ولماذا لا تنظر للمطرة دي أنها هدية من الله وإشارة إلى أن الحق عزّ وجل قبل صيامنا!!
قال يا أستاذ دا كلام شعراء.. كهرباء مقطوعة ومبرمجة وموية في المواسير مافي ولو جات شحتفة ودرجة حرارة الجو ما أنزل الله بيها من سلطان.. قلت له: برضو أحسن من ناس.. العيد عندهم حرب وتفجيرات.. ويبدو أنه أراد قفل الحوار قائلاً: الله يسهل ويصلح الأمور!! وأقول: آمين يا رب العالمين ويهدي حملة السلاح والحكومة أن يجلسوا لحوار جاد ينهي ويطفئ نيران الحرب.. ونخت جميعنا الرحمن في قلوبنا، فالوطن يسعنا جميعاً ويحتاج منا لاعماره لا لخرابه وخيراتو لا حصر لها إذا أيقنا بأن الخالق عزَّ وجل حبانا بنعم يحسدنا عليها الكثيرون.
أم درمان ناحية السوق ساهرت حتى الساعات الأولى من الصباح والمحال التجارية والأرصفة امتلأت ببضائع الخردوات، الملابس لا سيما تلك التي تخص الأطفال والهدايا والعطور.. هنالك بعض البضائع التي عفا عليها الزمن.. غَفل الباعة المشترين وباعوها بأثمان باهظة.. رقابة الأسواق مهمة في مثل هذه المواسم..
بعض الأسر استقبلت العيد بالدموع، توفى أقرباؤهم في حوادث مرور برغم تحوط إدارة المرور وأفواج المسافرين.. يرحمهم الله ويصبر ذويهم.. حركة المرور والزحمة خفت والعاصمة في الأعياد تهدأ بسفر ناس الولايات القاطنين بالعاصمة، ترى متى تزول هجرة أهل الولايات إلى الخرطوم وتزول أسباب تلك الهجرة التي أحالتها إلى عاصمة مكتظة في كل شيء.. شارع النيل طوال أيام العيد يموج بالمعيدين من الأطفال وذويهم، كنت عزمت أن أدخل كازينو المقرن العائلي لأقف على فرحة الأطفال وهم يلعبون في المراجيح، قلت ربما يمنحوني بعض أفراح طفولتي حينما كنا نتمرجح في مرجيحة المرحوم عمنا “قسم” بقرش وكانت بهجة تضاهي المراجيح التي تدار بالكهرباء.. العيد أيضاً سوق رائجة لعدد مهول من باعة السندوتشات والعصائر الباردة.. اشتريت سندوتش طعمية بالمصقعة بأربعة جنيهات وشربت كركدي بارد.. طبعاً لم أحفل بتحذيرات ناس برامج العيد.. كنت في غاية السرور بالتقاط بعض الصور التذكارية مع الشباب المعيدين بشارع النيل..
(النيل الأزرق) نقلت حفلات غناء على الهواء مباشرة “سبق إعلامي” أدخل الفرح على محبي الغناء. إذاعات (الإف أم) حفلت ببرامج متشابهة لا سيما تلك التي تعتمد على اتصالات الهاتف.. إذاعة (البيت السوداني) كانت متميزة والذين أداروا الحوار مع المتصلين امتازوا بحسن التصرف لأن هناك من ارتبكوا من بين المتصلين.. (جامع النيلين) التحفة المعمارية شهد عشرات الزيجات والمصلين.. مبروك لأهل العرسان كنت أحد حضور عقد قرآن وهناك عيدت على أحبة لم التقهم منذ أمد بعيد برغم أننا نقطن مدينة واحدة.. تقليد طيب – أدام الله الأفراح – وزير السياحة صديقي يحتاج إلى تصميم مشاريع يقيمها على ضفاف النيلين وليبدأ بكورنيش النيل الممتد من المقرن حتى كوبري الحلفايا من الناحية الغربية للنيل.. ومازالت الإذاعات المرئية والمسموعة تمارس قرصنة عرض وإعادة برامج المنوعات والموسيقى والغناء دون ترتيب الأوضاع القانونية مع أصحاب الحقوق من المبدعين.
تلك كانت صورة رسمتها لك عزيزي القارئ الكريم وكل لحظة والسودان وأنتم بخير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية