صورة السودان والسودانيين !
قبل عدة أشهر حضرت مصادفة عرضاً سينمائياً لفيلم يصنف في خانة الوثائقيات حسب بيان الدعوة التي خصصت لنخبة نشطاء جنوبيين وممثلي منظمات إغاثة وآخرين، يجمع بينهم فيما يبدو الاهتمام بالسودان، العرض الذي أقيم في صالة بأحد فنادق عاصمة مجاورة عرض بحبكة مؤثرة قصة شباب جنوبيين فروا من بحر الغزال إلى إثيوبيا ثم كينيا بعد أن تعرضوا حسب النص لهجمات مهاجمين بيض السحنات يمتطون خيولاً و(يكبرون) أثناء الاشتباك، وبالطبع لا حاجة للفت النظر للإيحاء بخرافة (الجنجويد) والإشارة إلى أنهم من فعلوا مع التركيز على إظهار العمائم واللحى ومروحيات قتالية عليها علم السودان الشمالي.
الفيلم حشد بمغالطات وأخطاء جغرافية ظاهرة وأكاذيب وفبركات مريعة مع مشاهد لا إنسانية لقتل أطفال وشباب يموت بعضهم وهو يحضن نسخة من الإنجيل، ويروي كيف أن منظمة أمريكية نقلت الناجين إلى هيوستن في الولايات المتحدة ووفرت لهم التعليم والصحة والبلد المضيف، وعلى طريقة الأفلام الهندية يظهر السيناريو شقيقة البطل وقد التقت أخاها في آخر مشهد، والذي حشد بالدموع والشموع واجترار المعاناة.
حينما انتهى العرض لم يكن أحداً من الحاضرين مستعداً لسماع حقائق الواقع وهي أن الفيلم يتحدث عن فترة ما بعد انفصال الجنوب ولا رابط منطقي لهجوم مماثل، وأن فراراً كهذا لعناصر من (الدينكا) إن صح لإثيوبيا سيكون عبر (فشلا) و(قامبيلا) وهي مناطق (نوير) فيما الوصول لكينيا من الجنوب أسهل من تلقاء (كابويتا) بشرق الاستوائية هذا بخلاف أكاذيب هجوم قبائل عربية على (دينكا) بحر الغزال الحكام للجنوب. الآن فعلاً
ظاهرة هذه الأفلام المتحيزة تنامت وخاصة تلك المنتجة من قصص تدور في جنوب كردفان، إذ أنتجت في العام الماضي ستة أفلام لحقها الآن فيلمين بصناعة وكتابات أمريكية من صحفيين يتنقلون بين (كاودة) وبعض جيوب منطقة (إيدا) للاجئين بجنوب السودان وتتكرر ذات مرويات خرافات أحداث دارفور ويشكل الخطر فيه أن تلك القصص تعرض الأمر من زاوية واحدة وتكرس لحقيقة غير الحقيقة وآخرها فيلم يعرض الآن بواسطة صحيفة أمريكية ذات صيت وتأثير.
ليس من الحكمة اعتبار الأمر رصاصة طائشة وهذا تخطيط غريض يقرأ مع تنامي الإشارة للسودان في الأفلام والدراما العالمية كبلد مصدر للسلاح والإرهاب وبشكل مستمر وطرق مرتبة، وهو ما يستدعي تعاملاً أكثر جدية في نقل صوت السودان وعكس ما يفعل
المتمردون يقتلون القتلى ويمشون الآن في دور العرض بجنازة السودان فاصحوا.