ليالي "لطيف"
نجح الأستاذ “محمد لطيف” الكاتب الصحفي المعروف والناشط الاجتماعي الأشهر في تحريك ساكن الساحة الثقافية والإعلامية بنشاط رمضاني بسيط الفكرة والإعداد عظيم التفاسير ثقيل العوائد المعنوية وغير المعنوية، من خلال ليالي خيمة الصحافيين التي توزعت مناشطها بين الحديث في الهواء الطلق وليالي المسرح والفنون. وشكلت الخيمة ملتقىً للأسر والزملاء وبعض المسؤولين بشكل صار معه من المعتاد إن كنت ترغب في مقابلة أحدهم فما عليك سوى اصطياده في جوانب الخيمة، خاصة إن استعصى على المطلوب إجابة النداء واستدعاء الهاتف وغيرها من طرق التواصل ذات شواهد آخر مواقيت الظهور.
نجح “لطيف” في الذي فشلت فيه كتل متراصة من الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات، ويشمل ذلك الحزب الحاكم وحزمة من أحزاب أخرى تخرج تتهادى بين آلية السبعتين ورايات قوى المستقيل ونداء السودان، وما أكثر الأحزاب حين تعدهم لكنهم في مظان العمل الفكري والثقافي لا يظهرون! واستطاع رجل واحد أن يحدث فعلاً ايجابياً وأنيقاً دون أن يكلفه ذلك سوى مبادرته وتوظيفه لحسن علاقاته ووعيه بخلو الساحة حاجة أرضها للسقي بجميل القول ونبيل الحديث والنشاط، وقد نصحت نافذين بالمؤتمر الوطني والحكومة أن يسجلوا إشادة مستحقة بنشاط جعل لليالي الخرطوم مذاقاً ونكهة وهي بلد لا يزال أهله مثقفين ينصتون بحسن إصغاء وتدبر، وتشهدهم مصابيح الود متى أضيأت فيتحلقون حولها مثل الفراشات يرسمون ويكملون ظلال المشهد لا يحترقون وإن احترق القصيد.
إن السؤال الذي فجره نجاح الأستاذ “لطيف” يبقى هو من سيحاسب عشرات المؤسسات الفاشلة التي حولت الفعل الإبداعي إلى درجات وظيفية وسجلات للحضور والانصراف متشابكة التوقيعات مكدسة الميزانيات، دون أن ترسم حرفاً أو تضع إزميلاً على كتف المشهد المتعب بعذابات الإحباط العام بالبلاد من مظان مواقع رسمية وطوعية مقيدة ضمن قائمة الجماعات الثقافية تقف عاجزة حتى عن ابتدار مجلس صغير لإدارة نقاش مجتمعي في هموم وأثقال الواقع المعاش بالعرض والتحليل، أو في الحد الأدنى فحص التربة! الإجابة الواردة كفلق الصبح لا أحد إما لأن من يتولون الأمر بلا حماسة وبلا رؤى خلاقة أو لأن بعضهم يظن أن تكليفه منحة مستحقة لشخصه إن قام معها بفعل يثاب وإن لم يفعل لا تثريب عليه فالأمر نافلة لا يعاقب تاركها.
إن تجربة خيمة الصحافيين تمنح الأستاذ “محمد لطيف” نوط الإنجاز وإن كره البعض ذلك، لأني على ثقة أن التميز مرات جالب للعنات الفارين بفجيعة حقيقة ألا تتميز وألا تترك غيرك يتميز، والأمر من بعد ذلك إدانة وتجريم لكثير من المؤسسات والجهات التي تستحق بعد ما فعل “لطيف” في الخيمة أن تساعدنا بالسكات والموية الباردة.
ملاحظتي الأخيرة والسالب الوحيد في أنشطة خيمة الصحافيين أن العرض والتداول الصحفي في مقام الرصد والنقل عبر الصفحات كان ضعيفاً، وقد راجعت من نشر عن ليلة استضافة الدكتور “منصور خالد” فوجدت نقلاً بائساً رغم أن بحر “منصور” عريض وزاخر بالشروحات والحكايا.