جنوب السودان .. جرد حساب بعد أربعة أعوام من الانفصال
ما بين أماني العودة للوحدة واستمرار شبح الانهيار
الخرطوم – محمد جمال قندول
يوم أمس(الخميس) (9) يوليو حلت الذكرى الرابعة لانفصال دولة جنوب السودان عن الدولة الأم السودان، وأصبحت دولة مستقلة ذات سيادة. وكانت اتفاقية السلام “نيفاشا”، الموقعة عام 2005، بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، قد أقرت حق تقرير المصير للجنوبيين في الاختيار ما بين البقاء ضمن دولة واحدة مع الشمال، أو الانفصال في دولة مستقلة. وقد كانت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال بنسبة أكثر من (99%). وفي التاسع من يوليو عام 2011، برزت إلى الوجود الدولة الأحدث في العالم برئاسة “سلفاكير ميارديت”.
كثير من المياه قد جرت تحت الجسر خلال الـ(4) أعوام المنصرمة على تقرير المصير وانفصال الجنوبيين، فلم تمضِ سنوات قليلة إلا واختلف رفاق الأمس من أبناء الدولة الوليدة، وخرج نائب الرئيس دكتور “رياك مشار”، معارضاً حاملاً السلاح، بعد أن اتهم بمحاولة انقلاب على السلطة، قبل أكثر من عام ونصف العام، واندلع الصراع المسلح بين الطرفين، والذي تحول إلى تناحر قبلي واتسع إلى حرب أهلية شاملة، استقطبت أغلب مكونات الجنوب الاثنية والقبلية، مثلما استقطبت قوى خارجية، على رأسها، يوغندا التي أدخلت جيشها لمساندة “كير” في وجه معارضيه.
فيما خرج “باقان أموم” و”دينق ألور” وآخرون، ممن اعتقلهم “كير” بتهمة الاشتراك في المحاولة الانقلابية، من المعتقل، بعد وساطة كينيا، إلى المعارضة. بعد ذلك عاد “باقان” لحضن الحركة الشعبية مرة أخرى، وضمن وساطة كينية أيضاً، لتسوية النزاع بين الأطراف الجنوبية. في وقت فشلت وساطة الإيقاد التي تتزعمها إثيوبيا، في حمل الطرفين على قبول اتفاق بوقف الحرب وتسوية الخلافات عن طريق التفاوض.
الدولة الجديدة، قبل أن تعصف بها الحرب الأهلية، استغرقت السنوات اللاحقة من عمر الاستقلال في تنازع مع الدولة الأم السودان. وأهدر كثير من الوقت في مفاوضات متعثرة بين الطرفين، لتسوية المشاكل العالقة بينهما، قبل أن يتوصلا إلى اتفاقات التعاون التسع، تحت رعاية وساطة الإيقاد، والتي عطلت تنفيذها الحرب الأهلية.
في ظل هذه الاضطرابات التي عاشتها دولة الجنوب الوليدة، يجئ احتفال الجنوب بالاستقلال، في وقت تبددت فيه آمال الاستقلال، وأصبح كيان الدولة نفسه مهدداً بالتحلل والتلاشي تحت وطأة الحرب الأهلية .
قبل التلاشي
عقب الانفصال عن السودان واعتراف حكومة وشعب السودان رسمياً بنتيجة الاستفتاء، أصبح جنوب السودان يشغل حوالي (700) ألف كيلو متر مربع من مساحة السودان البالغة (2.5) مليون كيلومتر مربع تقريباً، أي ما يعادل (28%) من المساحة الكلية للبلاد. وتمتد حدود الجنوب إلى (2000) كيلومتر تقريباً مع خمس دول هي إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى. وتشكل المراعي (40%) من الجنوب السوداني، والأراضي الزراعية (30%) بينما تشغل الغابات الطبيعية (23%) والسطوح المائية (7%) من جملة المساحة.
ينقسم الجنوب السوداني إدارياً إلى عشر ولايات، هي ولاية أعالي النيل وجونقلي والوحدة، وهذه الولايات الثلاث كانت تسمى من قبل بإقليم أعالي النيل، وولاية البحيرات وواراب وشمال بحر الغزال وغرب بحر الغزال، وتشكل هذه الولايات الأربع ما كان يعرف من قبل باسم إقليم بحر الغزال، أما الولايات الثلاث الأخرى، فهي ولاية غرب الاستوائية وبحر الجبل وشرق الاستوائية أو إقليم الاستوائية سابقاً. وتضم الولايات الجنوبية العشر أكثر من (30) محافظة. ونال جنوب السودان أكثر من (70%) من منشآت النفط الواقعة في ولاية الوحدة وأعالي النيل، وأصبح النفط يساهم في (98%) من إيرادات الدولة الوليدة، بينما محطات الضخ والمعالجة ونقل النفط في السودان.
تقلص إيرادات النفط
تعيش دولة جنوب السودان على إيرادات النفط بنسبة (98%) في ميزانيتها، لكن الاحتراب ووصوله إلى ولاية الوحدة والتي بها مربعات النفط أعاق الإنتاج، ولم يتبقَّ أمامه سوى استمرار الضخ من حقول فلج بولاية أعالي النيل، لكن القتال وصل إليها، أيضاً، خلال الشهرين الماضيين، مما قلص الإنتاج من تلك الحقول بصورة كبيرة.
ومن تبعات التقلص في الإيرادات النفطية، مع الفساد المستشري في كل أركان الدولة، تأثرت حياة (6) ملايين مواطن بالحرب. فقد تحطمت حياة الناس، بينما فاقم استمرار المعارك موجات النزوح إلى معسكرات الأمم المتحدة، واللجوء إلى دول الجوار، وفي مقدمتها السودان. وحسب تقارير المنظمة العالمية السامية لشؤون اللاجئين فإن جنوب السودان حلت رابعة من ناحية اللجوء، ووصل عدد اللاجئين فيها إلى (2.465) مليون، يستضيف السودان جزءاً كبيراً منهم.
تجدد اتهامات “سلفا كير” للخرطوم
في الوقت الذي تحتفي به دولة جنوب السودان، بمرور (4) أعوام على الاستقلال أطلق الرئيس الجنوب سوداني “سلفاكير ميارديت”، اتهامات للسودان، حملها فيه مسؤولية عدم تنمية وتطور بلاده في الماضي، وذلك عبر كلمة له في البرلمان يوم أمس الأول (الأربعاء) أي قبل يوم واحد من احتفال بلاده بالاستقلال. وقال في كلمته بأن نظام الخرطوم لم يهتم بالتنمية في الجنوب.
وأضاف “كير” أن (جنوب السودان استقل سياسياً، ولكنه اقتصادياً يتجه صوب الأسوأ). وعزا ذلك التدهور لـلفساد المنتشر وسط مؤسسات الحكومة، حيث أهدر كثير من المال العام، وهو ما دفعه للتأكيد على عدم تهاونه مع أي فرد يمارس الفساد في جنوب السودان. وطالب “كير” وزارة المالية بضرورة تسريح أي شخص يتورط في عملية التلاعب بالمال العام، مشدداً على أن حكومته تسعى لتطوير الزراعة والتعدين في البلاد. وأوضح أنه كرئيس ملتزم بتحقيق السلام في جنوب السودان، مبدياً- في هذا الإطار- استعداده للسفر لأي مكان في العالم من أجل تحقيق السلام في جنوب السودان.
وأعاد البرلمان في “جوبا” تنصيب “سلفا كير” رئيساً لجنوب السودان لثلاث سنوات، بعد أن أرجأ الانتخابات، ومدد ولايته بسبب الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد.
وقرر البرلمان أن “كير” ليس بحاجة إلى تأدية اليمين رسمياً لأنه بالفعل يشغل المنصب.
وتعهد الرئيس بضمان السلام والمصالحة مع قائد المتمردين نائبه السابق، د. “ريك مشار”، بعد أن أودى صراع السلطة العسكري القائم منذ (18) شهراً بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص.
وقرر البرلمان في مارس تأجيل الانتخابات التي كان يفترض إجراؤها بحلول يوليو، وتمديد تفويض “كير” الذي يحكم منذ العام 2011.
وقد رفض “مشار” تنصيب “كير” رئيساً للبلاد. وكان قد اشترط في وقت سابق تنحية “كير” لوقف الحرب.
“غندور” يرد
حكومة “الخرطوم” من جانبها، ردت على اتهامات “جوبا”، باتهامات مضادة، وجددت الدعوة لحكومة الجنوب بالكف عن اتهاماتها، عن دعم المتمردين. وقالت بأن علاقات حسن الجوار تتطلب إرادة من حكومة “جوبا”، ورأت أن هنالك الكثير من الملفات العالقة، التي لابد من طرحها بصورة مباشرة .
وأوضح وزيرالخارجية السوداني أ.د. “إبراهيم غندور”، في تصريح لوكالة السودان للأنباء ، أن في مقدمة القضايا العالقة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين رئيسي البلدين “عمر البشير” و”سلفاكير ميارديت”.
وأشار إلى أن هذه القضايا متعلقة بالخط الصفري والحدود الفاصلة وفقاً لحدود 1/1/1956 والمنطقة منزوعة السلاح، إلى جانب دعم حكومة الجنوب للحركات المتمردة السودانية بالسلاح، وآخرها الاختراق الذي تم في منطقة (قوز دنقو) في جنوب دارفور، مشدداً على أهمية أن يتوقف هذا الدعم.
أخطاء “نيفاشا”
القيادي بالمؤتمر الوطني “قطبي المهدي”، اعترف جهراً بأن “نيفاشا” كانت مليئة بالأخطاء التي وقعت فيها الحكومة وذهبت بالجنوب، وولدت الكثير من المشاكل للدولتين. وقال لــ(المجهر) بأنه بعد مرور (4) أعوام لم يجنِ شعب الجنوب شيئاً من الانفصال سوى الاحتراب القبلي، ولم يجد وطناً مستقراً. وأضاف أن النظام توقع الانفصال، منذ الإقرار بحق تقرير المصير لجنوب السودان، والذي نصت عليه اتفاقية “نيفاشا”، وذلك من واقع نظرة الجنوبيين لنا بأننا نستعمرهم .
وأكد د. “قطبي” خلال حديثه أن نظرية الانفصال مقابل السلام، فشلت حيث ذهب الجنوب، وما زال يشكل خطراً على سلام الوطن، من خلال علاقته بالحركة الشعبية – قطاع الشمال .
الانفصال حقق مبتغاه
فيما يجزم الناشط السياسي الجنوب سوداني، “استيفن موال” بأن لانفصال حقق مبتغاه. وقال لــ(المجهر) بكل تأكيد الانفصال حقق دولة جديدة لشعب الجنوب، واسترسل قائلاً: الآن شعب الجنوب يحكم دولته، ولها سيادة كاملة على أراضيها. وهذا يتوافق مع تصور مواثيق الأمم المتحدة وقواعد الحكم الذاتي.
وأضاف “استيفن” بأن الدولة الوليدة بالجنوب فيها كل مقومات النظم السياسية، وخرجت بعد (4) أعوام بنتائج إيجابية. ورفض “استيفن” ربط ما يحدث بالجنوب بتبعات الانفصال. وقال: يجب أن لا يختلط الأمر على الناس، تقرير المصير كان هدفاً محدداً وما يحدث الآن من احتراب يحدث في الكثير من الدول المجاورة ولا يهدد سيادتها.
تأسف على الانفصال
أما الخبير السياسي، البروفسور “صلاح الدين الدومة”، أستاذ العلوم السياسية، بالجامعة الإسلامية، فقد اعتبر أنه من الممكن، وبعد (4) أعوام من الانفصال، نستطيع القول بأن الشعبين الجنوبي والشمالي، والقائمين على أمر الانفصال، قد ندموا وتمنوا لو عادت الأمور إلى سابق عهدها. وأضاف في حديثه بأن الحل لشعب الجنوب الحق في العودة إلى الوحدة بأسس جديدة.
وتوقع “الدومة” عودة الجنوب إلى حضن الشمال، في قادم الأزمان، وذلك حسب تقديره لرغبة الكثير من الجنوبيين في عودة الوحدة، بينما تظل بعض فصائل قبيلة الدينكا عائقاً أمام هذا الخيار.