(داعش).. نفير لعلماء السودان!!
-1-
{ مما تسرب من معلومات ونقلته صحيفة (التغيير) عن والد أحد الطلاب السودانيين المنضمين حديثاً لتنظيم (داعش)، أن طبيباً (فلسطينياً) مقيماً في سوريا من خريجي جامعة العلوم الطبية (مأمون حميدة) هو الذي يقوم بتجنيد هؤلاء الطلاب واستقطابهم لتنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق، عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي!!
{ قد يكون ذلك صحيحاً بدرجة ما، لكن مما لا شك فيه أن هؤلاء الشباب- من الجنسين- ما كان لهم أن يغادروا بيوتهم، وأهليهم، وأصدقاءهم وأحباءهم، وقاعات الدراسة وهم في السنوات النهائية من فصول كلية الطب التي بلغوها بعد شق الأنفس، لولا أن هناك من يقوم بمهمة الاختيار، ثم الاستقطاب، والتجنيد (المباشر) ومن على مسافة قريبة جداً، وحراسة يومية ملتصقة بالضحية!
{ هناك (دواعش) على مقربة منا جميعاً، وقد لا نصدق أن من بينهم “فلاناً” و”علاناً” و”فلانة”!!
{ ليس هذا مهماً، فقد كان شيخ التنظيم الجهادي الأكبر الذي اخترق أمريكا ودمر أعلى أبراجها ومبنى وزارة الدفاع فيها.. تنظيم (القاعدة) الشيخ الشهيد “أسامة بن لادن”، مقيماً بيننا في أرقى أحياء الخرطوم في تسعينيات القرن المنصرم، هو وكبار مساعديه.. وكان هنا وفي حي “العمارات” الهادئ.. زعيم الإرهابيين الاحترافيين “كارلوس”!!
{ ولهذا ليس مدهشاً ولا مزعجاً للكثير من السودانيين أن يظهر عشرون أو مائة (داعشي) في هذا الحي أو ذاك، أو هذه الجامعة أو تلك.
{ كما أن الخرطوم لن تتأثر كما تأثرت “تونس” المخملية الناعمة والكويت الوديعة المسالمة، إذا قام (داعش) بتفجير مسجد وقتل مصلين آمنين، فقد استهدفت قبل أكثر من عشرين عاماً (نسخة أولى من داعش) وهي جماعة الجهادي (الليبي) “محمد عبد الرحمن الخليفي” مسجد شيخ أنصار السنّة المحمدية الأكبر المرحوم بإذن الله “أبو زيد محمد حمزة” بالثورة عام 1994، وقتلت بالرصاص (27) مصلياً أثناء صلاة الجمعة!! وبعده بست سنوات كانت حادثة مسجد “الجرافة” التي راح ضحيتها أكثر من عشرين مصلياً أثناء صلاة التراويح وجرح فيها العشرات، برصاص التكفيري “عباس الباقر” وآخرين.
{ والخرطوم دخلتها أكثر من (200) عربة “تاتشر” محملة بقوات شرسة ومدججة بسلاح ثقيل، وعبرت شارع العرضة، في العام 2008 في ما سميت بـ(غزوة أم درمان) التي نفذتها حركة العدل والمساواة، لكن الأمور عادت لنصابها بعد عدة أيام ساخنة وصاخبة، جرحت خاطر الطمأنينة والأمان.
{ ودارفور التي تتقاتل فيها قبيلتان على جمل وناقة، فيموت العشرات من خيرة الشباب في يوم واحد، لن (يخلعها) داعش ولن يجرح خاطرها المجروح أصلاً!!
{ إذن لن يخوّف السودانيين أحد بـ(داعش)، فما عايشوه ورأوه من أهوال حرب الجنوب لخمسين عاماً طويلة، وحريق دارفور وجنوب كردفان، وفيلم رعب أحداث مقتل “قرنق”، وفوضى النار والدماء في احتجاجات سبتمبر 2013، ما يفوق فظاعات الدواعش في بعض بلاد العرب.
{ لكننا فقط نتساءل عن الأمة المسلمة (الواحدة) التي يريد تنظيم الدولة الإسلامية أن يزيل حدودها (القطرية) بقتل المسلمين في مساجد الكويت والسعودية، دون أن يستهدف كنيساً يهودياً في “حيفا” و”الرملة” و”أيلات” و”تل أبيب”؟!
{ تنظيم الدولة (داعش) يقاتل مليشيات المعارضة السورية ويعطل مسيرها، لكنه لا ينفذ بعناصره الانتحارية إلى “الجولان” حيث جبهة المواجهة مع إسرائيل!!
{ أسئلة كثيرة تدور دون مجيب حول جهات تمويل وتسليح (داعش)، ومدّه بأحدث الأسلحة وأفضل العناصر المقاتلة وكأنها مدربة في واحدة من الكليات الحربية في أوروبا وأمريكا!! حتى تقنيات التصوير العالية جداً التي لا تتوفر إلا لشركات تلفزة وسينما عالمية، تتوفر لداعش بكل يسر، فتصور بها مشاهد القتل البشع الذي ما عرفه الإسلام يوماً من زمن فتوحات “خالد بن الوليد” و”أبو عبيدة عامر بن الجراح” إلى زمن متحركات “إبراهيم شمس الدين” و”علي عبد الفتاح” و”المعز عبادي” في جنوب السودان.
{ (داعش) يقاتل في الكويت والسعودية وسوريا والعراق، ويستقطب له طبيب (فلسطيني) طلاب جامعة (مأمون حميدة) بالسودان، فلم لا يستقطب العشرات من بني جلدته من (عرب 48) لتفجير رئاسات الجيش الإسرائيلي ومقر (الموساد) ووحدات الاحتلال، بدلاً عن قتل المصلين في الكويت؟!!
-2-
{ الطلاب السودانيون من حملة الجنسيات والجوازات الأجنبية، يعانون- غالباً- من حالة (اغتراب نفسي وثقافي) عميقة، ويعجز المجتمع السوداني بعائلاته وجامعاته، وجمعياته عن تلبية رغباتهم، وسد الفراغات والثغرات المتسعة داخل أنفسهم، فيسهل الإيقاع بهم في حبائل التنظيمات المتطرفة، يساعد في ذلك ضعف واضطراب علاقتهم بالدين خلال فترات الطفولة والصبا.
{ مهم جداً أن نعرف من هم.. ومن أين أتوا.. وكيف عاشوا.. ليسهل تحليل الظاهرة والبحث عن خيوط نسيجها، وليس صحيحاً ما يردده بعض الكُتّاب بالدعوة إلى التغاضي وإغفال خلفيات هؤلاء الطلاب الاجتماعية والثقافية والبحث عن الأسباب!! وكيف يمكن الوصول للأسباب؟ لماذا لم يستقطب (داعش) شباباً من أندية حارات (أم درمان القديمة) مثلاً؟! لماذا لم يخرج العشرات من الجامعة الإسلامية وجامعة القرآن؟! بالتأكيد هناك جماعات سلفية وجهادية في هاتين الجامعتين، ولكن درجة المعرفة بأصول الدين وحرماته مرتفعة هنا، ومنخفضة هناك عند القادمين حديثاً من (الغرب).
-3-
{ على السادة المشايخ “عبد الحي يوسف”، “عبد الجليل الكاروري”، “عصام أحمد البشير”، “محمد عثمان صالح”، “علاء الدين أبو زيد” وغيرهم من أعضاء هيئة علماء السودان ومجمع الفقه الإسلامي، عليهم ترك ما بأيديهم من أمور الدنيا، والتوجه عاجلاً إلى الجامعات ابتداءً بـ(مأمون حميدة) و(الخرطوم) و(السودان) و(النيلين) و(التقانة) لمخاطبة الطلاب في ساحات مفتوحة، وتبصيرهم بمخاطر مشروع الخديعة الكبير المدمر لكيان الأمة، المزلزل لاستقرارها، وعلى إدارات الجامعات تنظيم هذه البرامج المفتوحة.. عاجلاً غير آجل.
{ لقد فقدت الكثير من الأسر السودانية فلذات أكبادها.. جهاداً في المجهول!!