تقارير

الجيلي والريف الشمالي لبحري.. قضايا وأزمات في الانتظار

الطريق القومي يحكي عظمة المعاناة
الجيلي – عقيل أحمد ناعم
قد يحتمل الظاعن في الصحارى والفيافي قسوة الظمأ وآلامه،
لكن الظمأ أقسى وأشد إيلاماً لمن يرتمي جوار مورد الماء.. هذا هو حال الريف الشمالي لمحلية ريفي بحري وحاضرته مدينة الجيلي وما جاورها من قرى، والظمأ هنا ليس للماء، وإنما للخدمات جميعها، فالمنطقة التي تبعد عدة كيلومترات من العاصمة تعيش كماً من بؤس الحال، قد تبدأ من رداءة الطريق الرابط بينها ومدينة بحري الذي آل إلى حالة العدم، ولا تنتهي بخدمات الصحة، ولا التعليم، أو الوضع البيئي. هي قضايا نطرحها بين يدي والي الخرطوم الجديد وهو يهمّ بزيارة محلية بحري والجلوس إلى قادة المحلية (الأحد).. زيارة للجانب الرسمي، من المأمول أن تتنزل ليستمع الوالي إلى عوام الشعب دون وسيط.
{ طريق (الجيلي ـ بحري).. حال يغني عن السؤال
رغم أن طريق (الجيلي ـ بحري) من أهم الطرق في ولاية الخرطوم لأنه يربط العاصمة بأهم المنشآت الإستراتيجية التي تخدم كل السودان وليس ولاية الخرطوم وحدها، فهو الواصل بين العاصمة ومصفاة الجيلي للبترول، التي تُعدّ من أهم منشآت البلد الاقتصادية إن لم تكن الأهم. وهو الطريق الذي يصل عاصمة البلاد بالمنطقة الحرة التي تضخ بعض العافية في شرايين الاقتصاد، بل وعبره تغذي المنطقة العاصمة بالمنتجات الزراعية التي لا غنى للناس عنها. وهو قبل هذا وذاك، الطريق الذي عبره يتواصل أهل الريف الشمالي مع الخرطوم في عملهم وتعليمهم وصحتهم.
رغم كل هذا إلا أن طريق (الجيلي ـ بحري) أصبح مهدداً للأرواح، والسيارات بما آل إليه حاله، فالطريق على مدى عدة كيلومترات من بعد (منطقة الكدرو) أصبح عبارة عن (حفر) بل و(أخاديد ) تجعل من السير فيه عبارة عن قطعة من العذاب، ونوعاً من التهلكة والمعاناة للبشر و(الحديد)، بالأخص المنطقة من الخوجلاب وحتى السقاي، ومن (التمانيات وحتى الجيلي)، وهي تكاد أن تشكل أكثر من نصف مسافة الطريق.. هذه المساحة أصبحت بلا (طريق)، ما يجعل السيارات مضطرة في غالبها للنزول عن الشارع والسير في (التراب) تفادياً للأضرار التي ستحيق بها جراء السقوط في الحفر التي يستحيل تفاديها. هذا بخلاف مشكلة لا ينتبه لها كثير من الناس، وهي تسبُب حالة الطريق ورداءته في أزمة مواصلات حادة تعيشها منطقة الجيلي وما جاورها، إذ إن أصحاب الحافلات يمتنعون تماماً عن العمل في مواصلات الجيلي تحججاً بسوء الطريق، وخوفاً على حافلاتهم من التضرر، الأمر الذي يخلق أزمة حادة جداً في المواصلات طيلة أيام السنة، وارتفاعاً كبيراً للغاية في قيمة تعرفة التنقل من وإلى الجيلي، لدرجة وصول قيمة تعرفة (الميني بص) “الهايس” إلى عشرة جنيهات، والحافلة إلى خمسة جنيهات في غالب الأحيان.
وليت الأمر يقف عند هذا الحد، لكن هذا الحال هدد أرواح الناس بسبب حوادث السير التي تتسبب فيها رداءة الطريق، وأهل المنطقة لا يغيب عن ذاكرتهم أحباب لهم فُجعوا برحيلهم وسالت دماؤهم على بقايا أسفلت الطريق.. كل هذا الحال وطريق (الجيلي ـ بحري) يضيع (دمه) بين الولاية والطرق والجسور الاتحادية، كل واحدة تتهرب من المسؤولية لتلقيها على أختها، ويدفع الثمن أهل الريف الصابرون.
هذه القضية يتم وضعها باستمرار أمام حكومات الولاية المتعاقبة، وهذا ما أكده لـ(المجهر) نائب دائرة الجيلي بمجلس تشريعي محلية بحري (المحلول) “الجيلي علي أحمد” (دردوق)، الذي كان متابعاً لملف الخدمات بالمنطقة بقوله: (قدمت طلبات متلاحقة حول طريق “الجيلي- بحري” للوالي السابق والمعتمدين السابقين مباشرة وعبر الصحف منذ حوالي سبع سنوات)، وأضاف: (هذا الطريق رئيسي لكنه يعاني إهمال حكومة الولاية)، وأكد أن هناك مستندات ومكاتبات حول صيانة الطريق بمجلس تشريعي المحلية المحلول، وتساءل غاضباً: (أقول لحكومة الولاية ما الفرق بين طريق الجيلي وشارع الستين؟ ولماذا الاهتمام بالطرق داخل العاصمة، وتناسي الطرق الرابطة للأطراف؟).
الأمر وصل مرحلة يصعب السكوت عليها، والمواطنون ترتفع أصواتهم بالشكوى دون أي مجيب.. فهل يتغير الحال في عهد الوالي الجديد أم يستمر؟ الإجابة تكشف عنها الأيام والوالي نفسه.
{ الصحة.. مبانٍ بلا خدمات
نعم بالضبط هذا هو الحال في معظم مناطق الريف الشمالي لمحلية بحري، بما فيها مدينة الجيلي، إذ إن كثيراً من المناطق بُنيت فيها مراكز صحية، لكن دون أن توُفّر بها خدمات حقيقية، فمعظمها خالية من الأطباء والكوادر الصحية وتعمل كأي مكتب حكومي، ليتوقف عملها ما بعد الظهر، وكأن الأمراض تتعاقد مع الناس على أوقات محددة.
وواحدة من المشاكل أن الأطباء والكوادر الصحية يمتنعون عن العمل بالريف والقرى النائية. وهو ما دفع نائب مجلس تشريعي المحلية المحلول “الجيلي دردوق” لمطالبة الولاية بضرورة تحفيزهم لتشجيعهم على العمل بالريف. وحتى (مركز صحي الجيلي)- الذي ظل يتنقل من شفخانة إلى مركز صحي منذ ما قبل الاستقلال، دون أن يتحول إلى مستشفى كما يشتهي ويطلب أهل الجيلي- لا يزال يقدم خدمات بمستوى (الشفخانة).. ورغم صدور قرار بترفيعه إلى مركز صحي نموذجي منذ قرابة العامين، إلا أن القرار ظل مجرد (لافتة) تم تعليقها على حوائط المركز دون أن يتم تنفيذ قرار الترفيع فعلياً. لكن أهل الجيلي الذين التقتهم (المجهر) جميعهم لا يرضون حتى بالمركز النموذجي ويرون أن مدينتهم بكثافتها السكانية العالية داخلها وفي القرى المحيطة بها، تستحق أن تنال مستشفى يلبي احتياجات المنطقة الصحية المتزايدة حتى تقيهم الحاجة لـ(السفر) إلى الخرطوم لتلقي العلاج.
هذا الحال دفع أبناء الجيلي بالداخل وفي المهاجر، وتحت إشراف بعض أبناء المنطقة، ممثلين في (الجمعية القومية للتطوير والتنمية الطوعية) المعنية بتطوير الخدمات بالجيلي وما جاورها، دفعهم إلى شراء عربة إسعاف مجهزة بالكامل لنقل المرضى والمصابين إلى مستشفيات العاصمة لعدم توفر غالب الخدمات الصحية في الجيلي وما يحيط بها من قرى، ولا زال الإسعاف يقدم خدماته للمرضى طيلة عامين بتمويل مباشر من الجمعية والخيرين من أبناء الجيلي بالداخل والخارج، ودعم يسير من محلية بحري، لكن أصبح الأمر عسيراً للغاية وفوق طاقة الجمعية في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، الأمر الذي يقتضي تكفل الجهات الرسمية بتكلفة تسيير خدمة عربة الإسعاف الحيوية تفادياً لتوقفها في عز احتياج الناس لها.
{ مكبّ النفايات
واحد من جوانب الصحة، هو صحة البيئة، وما يتعلق بجزئية النظافة وجمع النفايات، وهنا تبرز مشكلة بيئية مؤثرة وهي تحديد موقع كمكبّ للنفايات قريباً من المناطق السكنية في منطقة (أبو طليح)، تأكل منه البهائم ويضر بصحة البيئة. وهي قضية تطرح مشكلة (المحطات الوسيطة)، التي تشكل أزمة في غالب محليات الولاية، إذ إن عربات النفايات تقوم بجمع الأوساخ من الشوارع لكنها قد لا تتمكن من تفريغ حمولتها في المحطة الوسيطة لفترة طويلة، ما يؤدي لتراكم النفايات بالطرقات.
{ التعليم المختلط وبيئة المدارس
قد لا يصدق القارئ أنه لا زالت بإحدى بقاع الولاية العاصمة مدارس مختلطة تجمع (الأولاد والبنات) في مكان واحد. ولكن صدّق، فبعض مدارس الريف الشمالي بمحلية بحري يدرس فيها تلاميذ وتلميذات في عمر المراهقة في فصل واحد.. فهل من العسير فصلهم عن بعضهم وإنشاء مدارس لكل منهما؟ وغير هذا، فغالب مدارس الريف تخلو تماماً من العمال (الفراشين والخفراء) ما جعل بيئتها في غاية السوء، الأمر الذي ينعكس مباشرة على مدى مقدرة الطلاب على استيعاب دروسهم، وعلى مقدرة المعلمين أنفسهم في إيصال المعرفة لطلابهم.
{ غياب المجالس التشريعية
المقصود هنا المجالس التشريعية للمحليات، التي تم حلها قبل سنوات، وقد يتساءل البعض عن علاقة تغييب المجالس التشريعية بقضايا الخدمات. لذا من الضروري توضيح أن تلك المجالس هي واحدة من مستويات الحكم المحلي، وهي المسؤولة عن الرقابة المباشرة على الجهاز التنفيذي بالمحلية، وعن سن القوانين والتشريعات المحلية، بجانب مسؤوليتها عن إجازة ميزانية المحلية وأوجه صرفها وكيفية التصرف في أموال وموارد المحلية، وهو ما كان يجعل المعتمد وحكومة المحلية بالذات متحسبة لعين المجلس الرقابية التي تقف على كل صغيرة وكبيرة.. وبغياب هذه المجالس فُقدت حلقة مهمة في الرقابة والتشريع المحلي، وأصبحت الجهات المسؤولة بالمحلية تعمل بلا رقيب ولا جهة تحاسب وتضبط الأداء.. ويظل السؤال: لماذا تم حل المجالس المحلية، ولم تتم إعادة تشكيلها حتى بعد طرح مقترح أن تكون تطوعية، وبدون مقابل؟؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية