الخارجية!!
مما اشتهر وعرف مؤخراً في جديد العامية السودانية استخدام تعبير أن فلاناً (جاب خارجية)، إن أفرط شخص في الحديث والثرثرة وخرج بها عن نطاق اختصاص لآخر، وهذا بين العوام وكرام المواطنين، بيد أني لو كنت مستخدماً ذات التعبير والوصف وناصحاً بالكف عنه لقلت لأعزائنا في وزارة العلاقات الخارجية أن عليهم التريث قليلاً والصبر، والتحلي بغير قليل من لباقة الدبلوماسيين وبأسهم في إدارة المأزق والطارئات ! وقد لحظت مؤخراً أن هذه الوزارة الأيقونة قد صارت هب ودب الأخبار والمرويات ومنقولات الإعلام بالحديث المباشر أو ذاك الغامز في جنبات بعض الصحف، إذ لا يمر أسبوع إلا وتكون الوزارة البهية عرضة للقيل والقال وكثرة السؤال. وقد توقعت وبشرت بالبروفيسور “إبراهيم غندور” الذي حط رحاله فيها أن يكون الأمر مفتتح اتجاهات جديدة في المنقول عن هذا المكان، بيد أن الخارج من لقائه الأول مع العاملين لابد أنه سيعيد البروفيسور نقابياً عتيقاً مرة أخرى، فهو وإن دخل على القوم سياسياً وتنفيذياً بارعاً فحتماً من هول التضجرات التي سمع حول إشكالات إدارية، فالراجح أنه سيطلب نقله إلى وزارة العمل.
لهذا حزنت حينما وجدت وكأنما هذه المؤسسة (وزارة الخارجية) قد ابتليت بأمر نفسها ومشقة ظرفها حتى صار جل علم وهم الخارج من إعلامها عنها وحولها، لا يتجاوز جدل الكتبة والموظفين حول الإسكيل والعلاوات وإجازات الوضوع وإشعارات صرف بدل المأموريات. وأكثر من هذا بدا لي وكأن هناك تعمداً في التمرير للإعلام أو النقل إليه يهدف لتأكيد أن هذه الوزارة غير مستوفية – لعناصرها – لشروط وإشراط العمل الدبلوماسي المتخصص، إذ لا يتحدث خطيب من الخارجية وله بها صلة إلا ويطعن نصاعة ألسن العاملين بها في اللغات الأجنبية، وتكرار هذا يعني عندي أن ثمة توجه منهجي لتقويض أيما ثقة في (الاستاف) الحالي بالافتراء والافتئات عليه. وأما رابعة الأثافي وهى للعلم ثلاثة ولكنها عندنا هنا في هذه الحالة أربعة، وأما الرابعة فإنها جدل (نقلوه وما نقلوه) وهي المعركة التي ظلت تدور في جنبات الوزارة المهمة ويبدو أنها معركة بلا نهاية.
أتوقع مستقبلاً جلداً وصبراً أكبر وأعظم مما أرى من إخوتنا الدبلوماسيين، وأتوقع منهم الانتباه كثيراً والتدقيق في نوعية لقاءاتهم التي تفتح للصحافة، لجهة أن الأمر عام ويتعلق بالعمل. وبين تلك اللقاءات التي يمكن أن تصنف في إطار (الترتيب الداخلي)، وهذه يمكن أن تناقش من أوراق ومياه الحمامات بالوزارة إلى أوامر النقل و(شفرة) تبادل البرقيات، فيما يمكن للأولى المتعلقة باتجاهات العمل أن تناقش محاور العلاقات الثنائية واليوناميد والمحطات الجديدة، وقطعاً فإن ما يبذل للنشر معروف ومتفق عليه وما يوضع في إطار كلام أهل البيت معروف. وعموماً اعتقادي الشخصي أن هذه الوزارة إن تركت لأنجزت لكن فقط ..(خفوا عليها)، كما أن على (الخارجية) الكف إعلامياً عن (الخارجية) !