جماعة قدرك قدرك!
ليت الولاة الجدد، والقدامى ينصرفون إلى أعمالهم وتشكيل حكوماتهم أكثر من هذه الظاهرة التي حولت استقبالات أولئك الولاة إلى مهرجان للخطابة والحشود، فإن طار والٍ للشرق تبعه أقوام من المهنئين والمهنئات، وإن مضى نحو الغرب تزاحم المدعوون وملبو المناسبة بالعشرات، وهكذا لم تسلم عاصمة ولاية من جحافل الهابطين مع المسئول الأول وهذه من بدع وغرائب الساحة السودانية التي ظننا أنها قد تتجه الآن نحو التعافي قياساً على مؤشرات ومحددات الاختيار الأخير لقائمة حكام الولايات. وقد عجبت أيضاً من ظاهرة الوفود الصحفية والإعلامية التي ترافق هؤلاء المسؤولين، والأمر لا يتم هنا بصفة الأبعاد المهنية، بقدر ما أنه جزء من بروتوكول المناسبة، فيما اعتقد، ولا أزيد .
ليس من داع لهذا السلوك المحير، والٍ وقد عين حاكماً في موقع ما، والمؤكد أنه في نطاق القطر، فلا منطق لهذه المسيرات التي تزف هذه إلى تلك. وقد شهدت بعض الوفود تنوعاً في المدعوين والأسماء الرابط بينها كلها أن أهل كل ولاية ورموزها يزفون ابنهم إلى قصر حكمه ثم يعودون للولاية الأم! التي منها خرجوا وإليها عادوا! وهذا عبث وتكريس لشواهد يجب أن تحارب وتواجه حتى يسلم الوطن الكبير. ولو كنت من هؤلاء المعينين الجدد لاكتفيت بالوصول مثلي مثل عوام الناس ولدخلت أمانة الحكومة الولائية وأدرت أمري دون احتشادات محشوة بالنفاق والتملق، فهذا أوقع وأفضل لمستقبل نزاهة الحكم وتوقعات المطلوب لخدمة المواطنين.
الأمر سيتحول وكأنه انتصارات شخصية لبعض المحظوظين بأمر التكليف وأتوقع تبعاً لما رأيت وأرى أن يستدعى ذات الولاة إلى ولاياتهم عشائرهم وأنسابهم للاحتفال بهم مرة أخرى في مساقط رؤوسهم بمناسبة التتويج السلطانين وسيقول بعضهم موافقون فإنهم أهلنا فلا بأس أن يذهب المسؤول إليهم ليبر رحمهم بهذا الاحتفال والذي سيكون من شاكلة ذاك الذي أقيم قبل سنوات بأحد حواضر السودان، للاعب كرة مغمور اختير في المنتخب الوطني وتصادف في مباراة إعدادية أن أحرز هدفاً – مصادفة – والذي حدث أن أبناء المدينة والولاية صنعوا مهرجاناً لتكريم (الكابتن) أجزلوا له فيه الشكر والثناء ونقدوه الهدايا والجوائز بشكل محير. إذ كنت أسأل نفسي لو أن هذا الرجل أحرز هدفاً في (فريق زي الناس) أو بطلاً من أبطال أفريقيا أو العالم، فحتماً أن أهل مدينته سيحتفون به احتفاءً خرافياً وربما طلبوا له وزارة الشباب والرياضة وأمانتهم بالمؤتمر الوطني!
المزعج في هذه البدع أنها تأتي من ممثلين لوجهاء المجتمع وقادة سياسيين ورموز هي مظنة الوعي والاستنارة، والشاهد في الأمر أن عموم الناس ربما لم يلتفتوا إلى ما يجري إلا بقدر الاستفسار الفضولي عن سر الازدحام أمام مطارات عواصم الولايات أو مداخل مدنها، إذ أن الراجح أن جمهرة الواصلين من الولاة الجدد من أفواج المهنئين، أغلبهم قدم من خارج الولاية وجلهم ربما حملته طائرات من الخرطوم عيناً.