من وحي الأخبار

الدرفرة

أشعر باستياء بالغ من طريقة التناول الإخباري والإعلامي بل والتداول العام لأخبار ومنقولات كل ما يتعلق بدارفور، ويتساوى في ذلك الصحفي المخبر والناطق المجيد وصاحب البيان. فإن هجمت حركة متمردة على بلدة فقد هجم وقتل متمردو دارفور، وإن تشاجر طالبان في سكن أو ركن نقاش فقد تقاتل طلاب دارفور وهكذا دواليك، ليتم فرض تعميم يأخذ ملايين السودانيين ممن ينتمون للإقليم بجريرة أفراد أو تنظيمات مسلحة أو  غير مسلحة. وبالطبع فإن تلك الأعمال الفظة مرفوضة لكن الذي يحدث أن اختلالات التوصيف تجر آخر الأمر لخلق حالة من التمييز النفسي السالب، والذي يدفع ثمنه من لم يرتكب حماقة ضد زميله أو لم يحمل السلاح !
من قبل حمل الاتحاديون السلاح بجيش الفتح  لصاحبه معتز الفحل، وحمل حزب الأمة بجيشه، وخرج الأسود الحرة والبجا. ولم يقل أحد أن متمردي الشرق فعلوا، أو أن جيش الأنصار أو الختمية ترك. رغم أن السيدين “الصادق المهدي” و”محمد عثمان الميرغني” كانا يصدران بأيديهما المباركة براءات تعيين الضباط والقادة، ويباركان سياسياً وجهراً بعض أنشطة مقاتليهم، وهو ما لم يفعله إلى اليوم أي عظيم من دارفور من رموز الدين والقبائل أو السياسة والحركات المسلحة فكيف تحكمون رعاكم الله وأجلى بصيرتكم
الصحيح والعادل أن يكون التوصيف بتسمية التجاوز باسم صاحبه فإن أخطأت حركة العدل المساواة فليكن أو حركة “مناوي”، وإن أحدث فصيل طلابي شغباً وتوتراً فإن له قطعاً راية ينطلق منها وله تحتها حتماً حلفاء آخرون، قد يكونون من عموم السودان الواسع. وحتى إن جال ضعيف نفس وقتل نفساً كما حدث في أحد المدن قبل أشهر فذاك جرم يجب  أن لا يتم نسبته إلى إقليم أو جهة. فهو سلوك أتاه شخص شيطان ولم يستفت فيه أهله أو عشيرته ليطالهم ذنب الذم وغمز الجانب .
في حادثة كلية التربية الأخيرة التي قتل فيها طالب زميله كان الأوقع والأصح أن ينسب القاتل والضحية معاً إلى صفة الطالبية أو تنظيمهما السياسي، إن كان المشكل أصلاً ذا ظلال في تلك الناحية، لكن حولت مباشرة إلى سياق (درفرة) المصاب جملة وهو عين الخطأ، الذي لا يكرس إلا لمزيد من تكريس صورة شائهة وغير مستحبة.
خطورة اتجاهات هذا المنحى أنها تؤسس لخطاب إقصائي وتجر ملايين المحايدين من أبناء دارفور أو لنقل الموضوعيين منهم، ومن هم خارج إطار الصراع لقناعات أو حقائق ليكونوا تحت ضغط التمييز السالب هذا، والذي أؤمن حتى الآن أنه ليس سياسة أو توجهاً، لكنه حالة من السهو العفوي يجب الانتباه لها ولتحصين ملايين هم في عمق هذا النسيج الوطني، ما بدلوا وما غيروا ولا ينبغي.
انتبهوا يا أهل الوعي والعقول، فما ضاقت بلاد بأهلها ولكن صدور الرجال تضيق يا جماعة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية