رأي

مسالة مستعجلة

(سيكسيك) .. معلق فيك!!

نجل  الدين ادم

 حال دولة الجنوب في هذه الأيام لا يسر صديقاً ولا عدواً، فقد تفاقمت الأوضاع الأمنية بشكل مخيف ومحليات ومدن تسقط كل يوم على يد المتمردين على الرئيس “سلفا كير”، حقول البترول تخرج من سيطرة الحكومة وفي المقابل يعيش المواطنون هناك في حالة غليان زائد وجوع، وفي هاتين الحالتين كما أشرت من قبل يكون السودان هو الملاذ الآمن حيث الإيواء من الجوع والعطش وتوفير الأمن.
من عجائب الصدف أن الولايات المتحدة راعية عملية الانفصال باتت الآن أكبر الساخطين على الأوضاع في الدولة الوليدة، بل أخذت تحرك إجراءات للضغط على قياداتها من داخل مجلس الأمن!، طيب السودان يعمل شنو؟!.
قبل فترة تحدثت إلى العميد معاش “خالد محمد عبد الله” وهو من ضباط الجيش الأكفاء المشهود لهم بالعمل طوال خدمته التي امتدت نحو (30) عاماً في مناطق الحرب، متنقلاً ما بين ولايات الجنوب المختلفة والنيل الأزرق، قال إنه وقبل اتفاقية السلام كانت حركة القوات المسلحة في اتجاه الجنوب في تزايد وكل فترة تصل قوة عسكرية، سأله أحد عساكره من الجنوبيين وتحديداً من قبيلة الدينكا، (يا سيادتك انتو ماشين وين؟ .. الجنوب دا فيهو شنو؟!، الجنوبيين ما تتعبوا تحاربو فيهو جيش  شعبي ولا متمرد عليكم فقط بإسقاط الذخيرة عبر الطائرات وعندما تعودون بعد فترة سوف لن تجدوا أحداً)، حدثني وكأنه قد فهم الآن ما عناه ذلك الجنوبي البسيط الحكيم في ذلك الوقت، ومضى قائلاً بأن ذاك العسكري قال له ياسيادتك هسه الجنوب دا ولو ما انتو كنتو قاعدين ماكان بيكون فيهو زول!!، بهذه العبارات ربطت واقع اليوم، مع ما صوره العسكري الجنوبي.
العميد “خالد” حدثني عن اعترافات عميقة للجنوبيين وقيادات بالحركة الشعبية المتمردة نفسها وعلى رأسهم د. “جون قرنق” عن فضل القوات المسلحة على أهلهم  فى منطقة بور ببولاية جونقلي، قال لي إنهم عندما وصلوا بور وجدوا حالة جوع مميت ولا يمضي يوم وإلا وتسمع بوفاة شخص أو اثنين بالجوع، وأن كل من يمرض يكون ميئوساً منه ولا يجد من أهله الاهتمام لأن مصيره بات بالنسبة لهم محتوماً، قال إن العساكر عندما يحل وقت الوجبة تاخذ السرية من القوى نصيبها وقدره للأسر الجنوبية، ومضى الحال إلى أن استقرت الأوضاع وأصبح بعض العساكر مدرسين للصبية، ولذلك طلب قرنق من أهله بأن لا يختلفوا مع القوات المسلحة.
ما هو مخفي أيضاً أن الانجليز خططوا بعد استعمار جزء من الدول الأفريقية في أن يضموا الجنوب إلى يوغندا لكنهم رفضوا، وعندما فكروا في ضمه إلى كينيا كذلك رفض الكينيون، ولذلك آثروا أن يتركوا الجنوب كرقعة جغرافية في دولة السودان، وعلى خلفية الرفض الذي وجدوه من يوغندا وكينيا رغم صلات القربى القبلية، استحسنوا أن يكون الجنوب منطقة مقفولة، ولعل ما نقل عن الانجليز بأنهم من تسبب في حالة الجفوة بين الجنوب والشمال بعمل المناطق المغلقة ليست بحقيقة تاريخية والصحيح أن حكمة الخواجة كانت من الوقائع.
فالسودان في كل الحالات هو من يتحمل تبعات تفاقم الأوضاع في الجنوب، فلو أن الحكومة عملت بالقدر المطلوب للمصير الذي كيفته مضامين اتفاقية نيفاشا لما تحمل كل التبعات السالبة، وحتى تحل معجزة السلام بين الجنوبيين، فالحال يبدو وكأنما أحداً يقول (سيكسيك) معلق فيك!!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية