رئيس مجلس حركات دارفور "آدم شوقار" في حوار الحرب والسلام مع (المجهر)
أزمة دارفور تكمن في قيادات الحركات المسلحة
فشلنا في توحيد المقاومة فضعفنا في الميدان والمفاوضات
حينما انطلق التمرد بدارفور كان القادة يقولون: “رئيسنا البشير”..!!
الثورة في جنوب السودان استغلت أبناء دارفور في تحقيق أهدافها
لديّ اتصالات مع العدل والمساواة.. وحزنت كثيراً لموت القيادات في معركة “النخارة”
للأسف.. تخلى الكثيرون عن قيم الثورة وتحولوا إلى تماثيل تدور حول مصالحها
منذ اندلاع التمرد في دارفور قبل أكثر من عشر سنوات وقع عدد من الحركات على اتفاقيات السلام، خاصة وثيقة الدوحة، وقد وصل عددها بالداخل (20) حركة، اتحدت مؤخراً في (مجلس حركات سلام دارفور) ويرأسه الأستاذ “آدم علي شوقار”، الذي يقود في ذات الوقت حركة تحرير السودان- القيادة العامة، وقد انضم “شوقار” إلى التمرد في بداياته 2003، لكنه كان أيضاً من “البدريين” في الطريق إلى السلام حينما وقع على اتفاق الدوحة بعد أن انفصل عن حركة العدل والمساواة، وأسس حركته. ويرى “شوقار” أن ما سماه الثورة واصلت الرسالة بقوة، واعترف المركز بحقوق أهل الهامش ومطالبهم التي تجسدت في أهدافهم، لكنه أقر بأنهم كثوار ومناضلين فشلوا في إدارة حوار جاد مع أنفسهم أولاً، ثم مع المركز. وأبدى رئيس المجلس تحسره على تخلي الكثير من أخوته عن قيم الثورة، والسير قدماً في تحقيق غاياتهم الشخصية.. هذا، وغيره تطالعونه في هذا الحوار فإلى المضابط..
حوار ـ سيف جامع
{ بداية أستاذ “شوقار”.. كيف تكوّن التمرد في دارفور؟
_ بالنسبة للصراع هو ليس صراعاً جديداً، بل كان عملية تراكمية منذ الاستقلال للهامش ككل، ودارفور بصفة خاصة. ونحن كنخب كنا نعبر بالطرق السلمية في الحركة الطلابية، ودخلنا السجون نتيجة ذلك رغم أنه ليست لدينا مرجعية سياسية أو أيديولوجية محددة.. وبصفتي شخصاً مستقلاً، فقد ترأست حركة الطلاب المستقلين في جامعة الخرطوم لدورتين متتابعتين.
{ إذن.. ما الدوافع؟
_ هنالك مظالم حقيقية فيما يتعلق بالسلطة والتنمية، غير النظرة الدونية لدارفور “الجاي من الغرب لا يسر القلب”.. كل هذا استصحبناه في نضالنا السلمي والمسلح.
{ متى كانت أول شرارة؟
_ أول انطلاقة للعمل المسلح فكرت فيها كانت عام 1988 بإنشاء حركة ثورية في عهد الديمقراطية الثالثة.
{ يعنى التمرد في دارفور لم ينشأ ضد حكم “الإنقاذ” ابتداء …؟
_ بداية التمرد كانت إبان حكم رئيس الوزراء السابق “الصادق المهدي” الذي حدث في عهده انفلات أمني وفوضى بشكل مرعب بدارفور، ما جعلنا نفكر في تأسيس “جبهة إنقاذ السودان” انطلاقاً من دولة تشاد التي كان يحكمها في ذلك الوقت الرئيس السابق “حسين هبري”، وبدأنا في استقطاب عناصر لجيش الثورة في المناطق الحدودية لغاية 1989 حين ظهور مجموعة “إدريس دبي” و”حسين جاموس” المتمردة ضد “هبري”، وأصبحت المنطقة غير ممهدة لاستيعاب حركتين، واتفقنا معهم على تجميد حركتنا إلى حين إشعار آخر.. وفي تلك السنة قامت ثورة “الإنقاذ” الوطني.. نحن سبقنا “الإنقاذ” في الثورة.. حتى أنه عندما تم الانقلاب اتصل بنا منتسبون لحركتنا، وأنا كنت في نيجيريا، يسألون هل نحن من قام بالانقلاب نسبة لوجود تقارب في أسماء “جبهة إنقاذ السودان” و”ثورة الإنقاذ الوطني”.
{ ماذا حدث بعد ذلك.. وكيف مضت “جبهة إنقاذ السودان”؟
_ واصل “إدريس دبي” حراكه وانتصر على “حسين هبري”، وبدورنا جمدنا نشاطنا على الأصعدة كافة، لأن العمل غير مرتب، رغم أنه كانت لدينا اتصالات مع حركة “بولاد” في الجنوب. لكن عندما قرر دخول دارفور أوقفنا الاتصالات، ورفضنا دخولهم إلى دارفور . وإلى الآن نقول إن الثورة في الجنوب استغلت أبناء دارفور في تحقيق أهدافها في جميع مراحلها.. وحتى اللحظة.. وربطها مع الثورة بالجنوب أصبح خصماً على دارفور، وعليه فإن وجود المجموعات الثورية وحركة تحرير السودان مع الجبهة الثورية لا يخدم قضية دارفور.
{ متى انضممت إلى الحراك الميداني؟
_ في فبراير 2003 التحقت بالحركة الثورية في دارفور، وكنت المنسق العام لحركة تحرير السودان بقيادة “عبد الواحد نور” والقائد العام “عبد الله أبكر”، وبعد موته آلت الأمور إلى “مني أركو مناوي”
{ تمردتم ضد الدولة أم لتحقيق مطالب محددة؟
_ صحيح أن الحركة كانت مطلبية بحتة، وحتى عندما انطلقنا كنا نقول إن رئيسنا “البشير” ووالينا “كبر”، ولدينا مطالب إذا تحققت لن نحارب الدولة.
{ ماذا دفعكم إلى السلام بعد كل هذا الصراع الدموي؟
_ دخلنا في أول جولة مفاوضات مع الحكومة في أبشي 2003 برعاية من الرئيس التشادي “إدريس دبي”، وبموجب المفاوضات توصلنا إلى هدنة لمدة (45) يوماً لكنها لم تصمد، لأن الحكومة انتهزت الفرصة لوأد الثورة بدارفور. وأيضاً كان للحركة تكتيك بالإضافة لانعدام عامل الثقة، ولم ينته العام حتى بدأنا مفاوضات أبشي الثانية، وجاء الاتفاق الأخير في أنجمينا في أبريل 2004 وتوصلنا فيه إلى وقف إطلاق النار والتوقيع على بروتوكول إنساني وأمني.. وكان من المفترض أن نستمر في مفاوضات أنجمينا.. وفي رأيي إذا استمررنا في أنجمينا لتوصلنا إلى اتفاق جذري في دارفور.
{ إذن لماذا لم تستمروا في الحوار بأنجمينا؟
_ لأن بعضاً من قياداتنا وقتها في حركة “العدل والمساواة” رفض الحوار في أنجمينا، وانتقل إلى أبوجا، وهنالك أخذت فترة طويلة جداً من الحوار وصل إلى جولات عدة.. وفي هذه الفترة حدث انشقاق في حركة تحرير السودان، حيث عقد “مني أركو مناوي” مؤتمره الشهير في “حسكنيتة” وأعلن نفسه رئيساً للحركة، وأصبحت هنالك قيادتان “مني” و”عبد الواحد”.. نحن من جانبنا وقفنا مع “عبد الواحد”.. وبعد الانشقاق مباشرة وقع “أركو” اتفاقه مع الحكومة وجاء إلى الداخل.. أما نحن “جبهة إنقاذ السودان” و”العدل والمساواة”، فقد اتجهنا إلى تأسيس حركة “الخلاص الوطني”، وهو تحالف عسكري أكثر من سياسي، لكننا فشلنا في هيكلته.. وأتذكر أنه جرت حوارات بين الحركتين بقيادة “إدريس أبو قردة”، وبحثنا جمعهما في حركة واحدة، لكن انفض السامر وكل مشى إلى اتجاهه بعد فشل “جبهة الخلاص الوطني”.. ومواصلة لذلك انقسمت مرة أخرى “العدل والمساواة” إلى حركات، وكذلك “التحرير والعدالة” إلى حركات.. وهذه النقطة الفاصلة لحركات دارفور بفشل “جبهة الخلاص الوطني”، حيث تسبب ذلك في إيجاد مجموعة من الحركات وأنا كنت أقود مجموعة حركة تحرير السودان باسم القيادة الميدانية، واتحدنا مع حركة “العدل والمساواة” مرة أخرى بقيادة دكتور “خليل إبراهيم”، وأصبحت جزءاً منها، وشغلت منصب الأمين السياسي للحركة، وأوجدنا “منبر الدوحة” برفقة “خليل”.. وأؤكد أن منبر الدوحة لسلام دارفور أسسه الراحل “خليل إبراهيم”. ووقع الاتفاق الإطاري في أنجمينا والكامل في الدوحة، بحضور الرئيس “عمر البشير”، وبعد ذلك عدنا إلى الميدان ورجعنا مرة أخرى للسلام.
{ هل ترى أن التمرد حقق أهدافه؟
_ نعم.. أوصلت ثورتنا رسالتها بقوة، واعترف المركز بحقوق أهل الهامش ومطالبهم التي تجسدت في أهداف الثورة، وأبدى استعداده لمعالجة ذلك الخلل بالوسائل السلمية عبر الحوار والنقاش بجلوس الأطراف حول طاولة التفاوض والحوار.. والرسالة التي كنا نريد إيصالها وصلت إلى المركز بأن تم الاعتراف بوجود قضية للإقليم.. والدليل على ذلك جلوس الحكومة للتفاوض ومناقشة القضية، وتحقق جزء من حل هذه القضية.. لكن أيضاً كانت هناك إفرازات للحرب منها النزوح واللاجئون في دول الجوار وموت الآلاف بالحرب والمرض والجوع والتهجير ووقف التنمية.. كلها كانت سلبيات ثورتنا في دارفور.
{ هل ترى أن “خليل إبراهيم” كان حريصاً على السلام؟
_ خروج “خليل إبراهيم” والقيادات من منبر الدوحة جاء بسبب أنهم رفضوا وجود حركات أخرى في المنبر لم تؤسس له، لكن رأينا كان مختلفاً، فقد رأينا أن نستمر في التفاوض لأن الحرب استنفدت أغراضها كافة، ويمكن أن تحل القضية بالسلام والاتفاق.. والآن هنالك حوار وطني مطروح منذ إعلان الرئيس “عمر البشير” للوثبة التي حملت محاور مهمة، السلام والحريات والهوية، وهي كفيلة بأن تخرج البلاد إلى بر الأمان.
{ دائماً ما يتردد حديث عن انعدام الثقة بين المعارضة والحكومة كسبب لتعثر الحوار بين الطرفين.. كيف تنظرون إلى ذلك؟
_ الدولة لديها اتجاه لتحقيق السلام ونحن مستاءون لأنه ما زال هناك إخوان لنا يقاتلون ويفقدون أرواحهم بعد أن أوصلنا الرسالة.. والفرصة حالياً مواتية لتحقيق السلام.. لكن إصرارهم على الحرب دون رؤية واضحة لن يحقق شيئاً.
{ هنالك من يرى أن مواطن دارفور خسر كثيراً فيما “تربحت” النخب؟
_ طول أمد الحرب لسنوات طويلة أفرز سلبيات، فضلاً عن انتشار السلاح بكميات هائلة.. كما أن الحروب القبلية هي من إفرازات حرب دارفور، لذلك فإننا نناشد الجميع بأن عهد الوصول إلى السلطة عبر فوهة البندقية انتهى، ولابد من الحوار، لكن أيضاً على الدولة توفير استحقاقات السلام خاصة تجاه الذين وقعوا على اتفاقيات السلام، لأن عدم توفرها سيكلف غالياً، وقد يقود إلى حرب أهلية وتعطيل عملية التنمية.
{ كيف تنظر إلى حركة “العدل” بعد الخسارة التي منيت بها مؤخراً؟
_ بكل تأكيد أن “العدل والمساواة” خسرت في معركتها الأخيرة، لكن هذا لا يعني نهاية الثورة في دارفور، ولا ننسى أن الثورة بدأت بـ(13) شخصاً.. والثورة مثل لحية الإنسان (تزينها.. بكرة تنبت تاني)، كما أن انتهاء الجسم العسكري لا ينهى القضية.. لذلك نناشد الدولة والمتمردين الجلوس إلى الحوار لإنقاذ البلاد.
{ هل تعرف بعضاً من قيادات العدل والمساواة الذين قتلوا؟
_ حزنت على أخوتي الذين قتلوا في معركة “النخارة”، وقد كانت لديّ اتصالات معهم قبل ثلاثة أيام من المعركة.. لكن هذا قدر الله.. وننادي بالدعوة إلى السلام للحفاظ على أرواح الآخرين.
{ مَن أبرز الذين قتلوا؟
_ “محمد بليل”، نائب رئيس الحركة ورئيس قطاع كردفان، حسب المعلومات التي وصلتنا.
{ ماذا دار بينكم في آخر اتصال؟
_ في حديثهم معي هم كانوا يريدون السلام، لكن سألوني ماذا حققتم أنتم بوجودكم بالداخل حتى نأتي إليكم؟ وأنا في نظري أن السلام لا تجنى ثماره في الحال.
{ حوار الوثبة.. أين موقعكم منه؟
_ الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس “البشير” فرصة سانحة للحركات المسلحة في دارفور والحركة الشعبية.. وأعتقد أنه ينبغي للناس أن يتناقشوا ويجلسوا على بساط أحمدي، لأن الوطن للكل وليس حكراً لـ”عقار” أو “عبد العزيز الحلو” أو “مني” و”جبريل”.. كلهم سودانيون ولديهم همّ وقضية هي السودان.. لكن بالحرب لا يمكن أن تحل المشكلة بأي حال من الأحوال.
{ في الرصيف حالياً “موسى هلال” وهو اسم مهم في دارفور.. هل لديكم اتصالات معه.. وهل ترى أن مطالبه تتسق مع قضيتكم؟
_ طبعاً “موسى هلال” عضو في حزب المؤتمر الوطني، وما زال يؤكد ذلك في تصريحاته، فضلاً عن كونه مستشاراً بالحكومة.. وخروجه من الخرطوم حدث بعدما وقعنا السلام ووصلنا إلى الخرطوم، وليست له علاقة مع أية حركة بدارفور، وخلافه مع الحكومة نعدّه خلافاً داخل حزبه.. غير ذلك لا أعرف ما يريده بالضبط.
{ كيف تقيّم حال الحركات اليوم؟
_ للأسف الشديد، نحن كثوار ومناضلين فشلنا في إدارة حوار جاد مع أنفسنا أولاً ثم مع الحكومة ثانياً.. حوار يفضي إلى تحقيق تلك الغايات والأهداف التي تصب في مصلحة أهلنا وشعبنا ووطننا الكبير.. وللأسف، تخلى الكثير من الأخوة عن قيم الثورة، واختاروا المضي قدماً لتحقيق غاياتهم الشخصية وأصبحوا تماثيل تدور حول مصالحها بإغراءات لا تساوي شيئاً بحكم العقل والمنطق والتضحيات التي تُقدم.
{ إلى أين قادكم ذلك؟
_ أخي الكريم.. يتكلم الناس عن أزمة اسمها دارفور أو أزمة السودان في دارفور، لكن في حقيقة الأمر الأزمة تكمن فينا نحن كقيادات المعارضة المسلحة في دارفور، لأننا فشلنا في توحيد المقاومة في الميدان ما أدى إلى إضعاف أوضاعنا القتالية في ميدان المعارك، وقاد ذلك إلى إضعاف موقفنا في منابر التفاوض المتعددة، مما جعلنا نوقع اتفاقيات متعددة ليست لها القدرة في اجتثاث الأزمة من جذورها.