ما هو اتحادي وما هو ولائي؟؟
التجانى حاج موسى
قلت أدلو بدلوي في بعض قضايا عامة تابعت بعضها قرأته بالصحف وبعضها شاهدته وسمعته عبر الإذاعات المرئية والمسموعة.. أبدأ بالنزاعات التي تنشب بين مؤسسات الدولة الاتحادية والولائية والتنازع في الاختصاصات في ما هو اختصاص ولائي وآخر اتحادي، وأسوق مثالاً للنزاع القائم حول الجهة التي تصدق بالترخيص لعمل الصيدليات وكل ما يتعلق بالدواء وتصنيعه ومواصفاته واستيراده، معلوم أن هنالك مؤسسة اتحادية وأخرى ولائية، والمسألة يمكن أن تكون شائكة ومعقدة إذا تمسكت المؤسسة الاتحادية بما هو ممنوح لها وفق الدستور والقانون.. لذا إن جاءت بعض نصوص القوانين الولائية لبعض مؤسساتها وتداخلت مع نصوص اتحادية، فالأولى أن تجلس المؤسستان الاتحادية والولائية لإزالة هذا التعارض وأن يحال الأمر برمته للهيئة التشريعية المختصة لإزالة ذلك التعارض لأن كل مؤسسات الدولة اتحادية أو ولائية تهدف إلى مرامٍ وأهداف عامة تنشد مصلحة الوطن والمواطنين.. والسودان حينما أخذ بالنظام الاتحادي أو الفدرالي كان يقصد أن تتفرغ الحكومة الاتحادية لأمهات الأمور بالدولة وتترك للحكومات الولائية كافة الأمور المتعلقة بالولاية على أن يتم التناغم في الأداء لتحقيق مرامي وأهداف الدولة العامة.. إذن ينبغي أن لا ينشب خلاف طالما أن الاتحادي والولائي ينشد الصالح العام.. وحينما جاءت فكرة كتابة هذا المقال كانت في ذهني تجربة عملي أميناً عاماً لمجلس المصنفات الأدبية والفنية (مكتب حق المؤلف) الاتحادي، إذ يقضي قانون الحكم الاتحادي قيام مجالس مصنفات ولائية تتبع لوزراء الثقافة والإعلام بالولايات، على أن ينزل المجلس الاتحادي للمصنفات الإستراتيجية العامة، وتمتد أذرعه لتصل تلك المجالس الولائية عبر جسور تعاون متصلة لتحقيق الأهداف العامة، ويجوز للمجلس الاتحادي تفويض المجلس الولائي بالقيام بمهام أصلاً كانت اتحادية.. أذكر أن مجلس مصنفات ولاية الخرطوم نازع المجلس الاتحادي في سلطات منح التراخيص للمحلات والشركات العاملة في الإنتاج الثقافي.. فالمجلس الولائي من ناحية تتعلق بتلك المحال في كونها منشأة في حدود الولاية يصبح من حقه منح تلك التراخيص وأخذ الرسوم المالية، لكن أيضاً للمجلس الاتحادي الحق في تحديد من يستحق منحه ذلكم الترخيص.. وفي فترة معينة كان طالب الترخيص متنازعاً بين مجلس الولاية والمجلس الاتحادي، والمجلسان كلٌ يتمسك بصلاحياته الممنوحة له وفق القانون، ويدخل طالب الترخيص في رهق مادي وكأنه يطلب الخدمة من دولتين معزولتين، لكن لحسن الحظ ناقشنا تلك المشكلة ووصلنا إلى ضرورة التنسيق في عمل المجلسين طالما يهدفان إلى مرامٍ وأهداف عامة، وأن لا يضار المواطن طالب الخدمة بأي حال من الأحوال، ونجحنا في إزالة التداخل والتناقض الذي تضمنته نصوص قانون المجلس الاتحادي والولائي – لكن في ظني أن الإنسان ينشئ القوانين لتسيير أمور الحياة وينشد الوصول إلى أن يعطي كل ذي حق حقه، وهذا لا يتأتى إلا بوضع نصوص تراعي مصلحة الوطن والمواطن، وأن يأنس واضعو تلك القوانين بالمبادئ العامة للعدالة، وعليه كل قانون يضعه البشر ينبغي بل يجب أن يأتي محققاً لتلك المبادئ والقيم العامة.. كانت ومازالت هنالك إدارة للرقابة بالمجلس الاتحادي وإدارة للرقابة بالمجلس الولائي.. والمعني بالرقابة هنا أن تراقب الإدارتان النشاط الثقافي الراتب في منابر الوطن بحيث يأتي ذلك النشاط غير متعارض مع النظام، المهام والآداب والأعراف ومعتقدات أهل السودان العقدية.
أظن لا تعارض إذا نهضت الإدارة الولائية أو الاتحادية بهذا الأمر فالهدف في مراميه البعيدة، ولا تثريب على الشرطة الاتحادية أن تعين الشرطة الولائية في إنجاز هذا الأمر.. لذا أرى أن تعكف الهيئة التشريعية منذ الآن على الدراسة والتمحيص في كافة قوانين الوطن، الاتحادي منها والولائي لإزالة أي ملمح من ملامح التعارض أو التناقض بين تلك القوانين، لتأتي كلها متناغمة ومنسجمة واضحة لا لبس فيها ولا تعارض حتى لا تنشب مثل تلك النزاعات التي تطفو على سطح الحياة العامة ولا يحار المواطن في تكييف وضعه القانوني.. حدثني مواطن معلقاً بسخرية.. “يا أستاذ البلد دي فيها كم حكومة؟!”وآخر قال “والله بقيت أنا أرنب بين كلبين سعرانين!!” ولو جبناها من الآخر نقول أي قانون وضعه بشر قابل للتعديل إذا تعارض مع مصالح البشر الذي من أجلهم وضع القانون، لذا ينبغي على مؤسساتنا العامة مراجعة مرجعياتها القانونية، إذ إن هنالك نصوصا عفا عليها الزمن لا تواكب المرحلة خاصة والحياة من حولنا يتبدل حالها يوماً بعد يوم.. وبالتأكيد طرأت متغيرات عديدة في المجتمع تحتاج إلى إسعافها بقوانين مواكبة تهدف إلى مصلحة الوطن والمواطن.