من وحي الأخبار

إعلام جديد.. شديد

أخشى ما أخشاه أن تتنامى ظاهرة الشائعات والتضخيم لأغراض الكيد السياسي أو لمجرد مجاراة الظاهرة في شأن تمدد مظلات الشائعات وارتفاع سقفها لتتحول إلى حالة من القلق المقيم الضار أشد الضرر بتماسك النسيج الداخلي والمخرب للاستقرار العام بالبلاد، فضلاً عن مضار أخرى أشد وأنكأ حينما تتحول صورة البلاد إلى صورة مأزومة اعتماداً على (الفبركات) والروايات الفطيرة التي تمضي وتتحول خلقاً آخر لتكون حقيقة وإن كانت أكذوبة سقيت ورويت بالإضافات ثم الجرح والتعديل.
صار أي حدث وواقعة بالبلاد موضوعاً يتنامى ليصيب أصل الحقيقة بورم مميت، حيث يكثر المشيعون والنائحون ولا جنازة في الأصل! فإن وقع حادث سير مروري تحول إلى صور من الأشلاء وإن قتل مواطن أخاه في جرم جنائي ظلل بالحواشي والمتون وأخرج إلى بر السياسة والعنصرية، وإن طار شجار بين مشجعين تمدد ليكون مقتلة و(كتلة)، وإن تصدعت منشأة أو أقيل أحدهم ولو بوفاء المدة أو استحقاق انقضاء الأجل أخرجت قصص إضافية تحول المشهد برمته إلى دراما من (الاكشن) والإثارة السينمائية في أفلام المطاردات والجريمة، وإزاء هذا الواقع بات لازماً على الحكومة دون غيرها أن تكون أكثر التزاماً بصناعة إعلام مواكب وسريع وخفيف لا يتقيد بيروقراطية أخذ الأذونات وتراتبية المقامات التي تصنع في العادة حالة من البطء في التنوير والاستدراك تجعل آخر الأمر المسائل معقدة، لأن التوضيحات تكون قد حضرت بعد أن يكون طوفان الرواية الأولى قد ترسخ ورسخ.
الأوضاع لم تعد كالسابق، ولم يعد مجدياً الاعتقاد أن المواطن يتلقى الأخبار والأحداث كالسابق حين ينتظر نشرة أخبار العاشرة بالتلفزيون أو الإذاعة بعد أن يكون قد تناول عشاءه وصلى العشاء ويكون في انتظار مراجعة حصاد آخر الأخبار بما فيها الرياضية حينما كان المريخ يلاعب الزهرة الأم درمانى في إستاد الخرطوم وينتظر المستمعون ملخص “عبد الرحمن عبد الرسول” لأن الملايين لم يكونوا حينها قد عرفوا محصلة المباراة، ولكن الوضع الآن اختلف صار لكل مواطن جمهور من المراسلين وصار المرء منا وكالة أنباء متحركة، نص وصورة، ولم يعد الأمر يخضع لمعيار فكل حرف يضاف يتم الأخذ به وكل مشهد يمرر يثبت كبينة وإن ثبت لاحقاً أنها مفبركة أو (فوتوشوب). وفي ظل هذا الواقع ليس من الحكمة افتراض أن ناطقاً رسمياً مهما بلغت فصاحته قادر على الإحاطة بكل ما يشاع ويثار، ولهذا فالأولى ثم الأولى أن تكون المبادرة والسبق بالحقيقة مهم ولازم لأنك ان لم تصنع صنع الآخرون حقيقتهم ،ولآت حين مندم ساعته.
إن التحلي بالمسؤولية على كل حال واجب حتمي على الجميع، ومن تمام حسن التدبر أن نكون كلنا جميعاً دعماً للاستقرار بالتريث والتثبت وتجنب المشاركة في رقصة الهياج الإعلامي، هذه فعواقبها وخيمة ولن تفصل يومها بين ساع في الفتنة وناقل لها، فالجميع سيدفعون ثمن تخريب مدينتهم ولو كانوا بلا غبائن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية