(ولا حاجة)..!!
خرجت الكهرباء عن الخدمة مساء أول أمس فأظلمت عديد مدن البلاد والعاصمة الخرطوم.. الانقطاع الذي دام بين ثلاث ساعات ونصف الساعة وقد تزيد، والذي ترافق من حيث الظاهرة وتذبذب في الإمداد الكهربائي في الأسابيع الأخيرة أعاد إلى الأذهان سابق عهد معاناة أعتقد أن كثيراً من الأجيال الحالية لم تشهدها، حتى صار انقطاع الإمداد بالتيار الكهربائي حدثاً يشعل وسائل التواصل الاجتماعي التي أسرع مبدعوها في رسم التعاليق والرمزيات الساخرة، واحتشدت الأسافير بمرويات التهكم! وحسناً فعلت وزارة الكهرباء أن كانت حاضرة بإعلامها ومصادرها في التنوير بشأن إشكالات انعدام (النور)، وسمت في تصريح مقتضب ووافٍ العطب الفني الذي أخرج إمداد الشبكة ثم أتبعته بآخر حين انجلاء المشكل وعاد التيار وانطوت في قلوب البعض حسرة!
ليس عيباً أو تقصيراً أن يقطع عطل ما، الكهرباء، مثل كثير خدمة تعتمد على التقانة والآلة، وهي أدوات عرضة للتلف والتحميل الزائد، وعرضة لكثير يعتور المسارات وهو أمر يحدث في أعظم الدول، لكن يبقى دوماً المحك التقييم الموضوعي من حيث سرعة استدراك الموقف والانتقال به من طور الأزمة إلى مرحلة المعالجة المؤقتة أو النهائية واستئناف النشاط، وهذا ما حدث وفي زمن معقول مع الحالة التي شهدناها، بل وعلى العكس يجب أن نشهد في مقام الأمانة وحفظ أقدار الرجال أن أداء الكهرباء كخدمة ومؤسسة ومنجز قد تحسن كثيراً، بل وصل مستوى رفيعاً من جودة الأداء والانتشار مع السعي في التطوير للأفضل والأفضل، فالساعتان أو الأربع التي انقطع فيها التيار كانت في الماضي تمتد إلى أيام وساعات تتجاوز العشر، وكان الإمداد مثل الشهقة حين الدهشة يأتيك وقبل أن يترد طرفك يكون قد ذاب في الفراغات العريضة.
نحن من جيل شهد مرحلة أن حدوث مثل انقطاع التيار الكهربائي أمر عادي ومعتاد، ولم ينصلح أمرنا إلا في عهد الإنقاذ هذه وتحديداً في مرحلة ما بعد العشرية الأولى، إذ أذكر جيداً أنه وفي ليلة قصف مصنع الشفاء (1998) كانت الخرطوم تعاني من الظلام والانقطاع المتكرر، وكان كثير من المواطنين غاضبي،ن بل وثار بعضهم في الشوارع تلك الليلةـ وهي الثورة التي تحولت بعد ساعات إلى ثورة أخرى حينما تدافع الناس نحو السفارة الأمريكية بالخرطوم بشارع (علي عبد اللطيف) بعد أن دكت صواريخ كروز المصنع الكائن في بحري، ومقارنة بتلك الأيام وأيام أشد حلكة وسواداً في عهد حكومة الأحزاب التي تعدّ معها فترة الإنقاذ عصر نهضة، مقارنة بتلك الأيام فإن ما حدث أول أمس (ولا حاجة)!
تحسن أداء خدمات الكهرباء بالبلاد لا يعفي مع هذا من التنبيه إلى ضرورة التطلع إلى المزيد، وتفادي بعض الاختلالات المزعجة خاصة في موسم الصيف مع اتساع رقعة المستهلكين والضغط الهائل على المتاح والمبذول من المنتج.. وكلها تعقيدات قد تحدث ارتباكات في خدمة يحاكمها الناس بما عرفوه عنها من تميز حالياً، وليس بما سبق من بؤس شهدناه.