الشيخ أبو زيد
أشهد الله إني قد جاورت في السكن والحي الشيخ “أبو زيد محمد حمزة” الداعية المعروف والرمز الإسلامي الشامخ ورئيس جماعة أنصار السنة المحمدية الذي انتقل إلى جوار ربه أمس الأول، أشهد الله وقد عشت في كنفه بالثورة الحارة الأولى لقرابة الثمانية عشر عاماً ولم أر في عيشه وتواصله مع الناس إلا خلق العلماء والنبلاء، عاش وأسرته بسيطاً مثل العامة، لا يتميزون بشيء أو علامة، بيت مثل بيوت كل السودانيين لم يجعلوا انتماءهم للشيخ ميزة يحوزون فيها فضل ظهر أو زادا وهذا مؤشر نزاهة، وأن الشيخ الجليل إنما كان داعية لوجه الله رغم أنه على رأس جماعة لها قدراتها ورجالها وخيريها ولو طلب الثريا لنالها، لكنه كان مسلماً مثلاً، إذ يطلب الثريا بعزائم البر والتقوى والعمل الصالح.
لقد أقام الفقيد منهج الدعوة والصلاح وأداره على نفسه أولا، كان فذاً وليس مثل بعض الذين نعرف ممن جعلوا أمر ولاية الناس بالعلم أو السلطة معبراً لتمييز أسرهم وعائلاتهم حتى دون فضل استحقاق ونباهة، فتعالوا في القصور وورثوا بريق الجاه وثقل الصولجان، لكن شيخ جماعة أنصار السنة كان (غير)، اغتنى بقناعاته وارتوى من بحور علمه فوقر الإيمان في قلبه وصدقه بالعمل، داعية شديد في الإسلام والدعوة يرشد وينصح ويوجه، يتقطر علماً يفكك معانيه بأسلوب عرض مهيب، يزجر في مقام الزجر وينوه في مقصد التنويه، يدير لغته بعربية الثقاة في العلم ويخلط ذلك بعامية بسيطة يعمق أثرها ذاك الأثر (النوبي) في بعض لسانه، كان داعية خالصاً لهذا الدين، هاشاً باشاً في غير إرباك، وصارماً حاسماً دون تطرف، لم أسمعه قط في خطبة (يسمى) خصماً أو يهين مخالفاً، كان ينصرف بالكليات لإدارة رسالته متجاوزاً وتعايش على قاعدة الاحترام والأخذ بالحسنى حتى مع مكونات أخرى لم يتأثر بخلافات الآراء، ولهذا لم يكن غريباً عندي أن يشق نعيه على المتصوفة وأن يحضروا إلى تشييعه والدمع يسيل من أعينهم ولا يقولون إلا ما يرضي الله.
إني جد حزين، ومع التسليم بقضاء الله وحكمه، فكلما مضى عالم تقي من وزن أمثال الشيخ “أبو زيد” استرجع ما جاء في الحديث “عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا” وإني والله لأشفق على هذه الأمة، فكلما مضى تقي وورع انكشف ظهرنا فما أحوجنا في مثل هذه الظروف إلى أصوات الأتقياء الشرفاء الأقوياء في الحق ولو على أنفسهم من أمثال الشيخ الراحل.