ثقال في الفزع
طقس حار يميز أجواء السودان هذه الأيام، ارتفاع لافت في درجات الحرارة وبعض المدن شهدت هطولاً للأمطار وفي وقت مبكر قياساً على مواقيت موسم الخريف المعتاد، حتماً ثمة تغييرات مناخية تشكل الآن المواسم والفصول، وهذا ما يتوافق وما نشر من أخبار عن أن خريف هذا العام سيشهد معدلات كبيرة للأمطار. خبر مفرح لمن هم يشتغلون بالزراعة ولكنه بالمقابل سيكون خبراً مقلقاً عند بعض سلطات الولايات والمحليات، إذ سيكون حسابهم قد قام على إشكالات التصريف والسيول والفواجع السنوية التي ترتبط بتلك الأحداث.
بعض الولايات ومنها “الخرطوم” شرعت أو أعلنت مبكراً نهوضها بترتيبات عالية لتفادي أي أضرار محتملة، من فتح للمصارف وترتيب لحالها الهندسي قبل أن يتورط الجميع في الأوحال والطين مثل كل عام، وهذه مبادرة جيدة وجهد من المهم كما كررنا كثيراً أن يتواصل مع حضور الجهد الشعبي الطوعي الذي غاب أثره في مثل هذه الأحداث إلا بعد وقوع الضرر، وذلك أن ثمة سلوكيات من المواطنين جد ضارة ومؤذية، ودليلي وأنا أسكن إلى جوار مصرف كبير شيد بالطوب والأسمنت وغُطي، ولكن الفاجعة أن الأهالي جعلوه مكباً لنفاياتهم وأغلقوا منافذه ومدخل الأنبوب الذي يفترض أنه ينقل مياه الأمطار الى المصرف!
والذي أتوقعه أن أول هطول مستمر ومتصل للأمطار سيحمل المياه ولكن لن تجد مسارها متسقاً مع المصرف، فتحدث (الكسورات) وتندفع السيول إلى داخل الحي وتبرز هنا في العادة أنانية البعض، حينما يؤمن جانب حائطه ولو بجعل الضرر ينصرف إلى جاره وإن كان هو المخطئ، ثم يتكامل الأمر عادة بتحول بعض الساحات إلى مراقد للمياه والبرك فيصير الدخول إلى الحي مشكلة وكذلك الخروج، وكل هذا من كسب المواطنين ولا علاقة له بجهد رسمي أو تنفيذي. والحقيقة يجب أن تقال وقياساً على المثل الذي سقته فلابد أن تستصحب تدابير مرحلة الاستعداد للخريف المواطن باعتباره شريكاً مهماً وفاعلاً، به يكتمل الجهد ويتكامل حسن التدبير وبدونه فأمر السلطات إلى العدم.
سيكون مؤسفاً إن تكررت في الخرطوم وغيرها إشكالات الأعوام الماضية من أضرار وسيول وفيضانات وجدل من المخطئ ومن المقصر، فموسم الأمطار معلوم وليس مناسبة مفاجئة وطالما أن جهات الاختصاص في الأرصاد الجوي، قد نوهت إلى أنها تتوقع وفق قراءات عملية ومراصد خريفاً عالياً هذا العام، فعلى الجميع أخذ التنويه على محمل الجد. وطالما أن الحكومة من جانبها بادرت فحقيق بمنظمات المجتمع المدني والفعاليات الأهلية، أن تنتظم نفسها في ذات الخط، هذا إن كان هناك بالفعل وجود حقيقي لتلك المنظمات في الأحياء وبين الناس، لأني أحياناً أشعر أنها صارت مجرد لافتات تحضر حين العرض السياسي للحكومة أو المعارضة، حين يحتلون المنابر بأسماء وأوصاف فخيمة في مواقيت العصف الذهني وطق الحنك، لكنهم في أوقات العسرة ثقال في الفزع .