المشهد السياسى
وكيف تقرأ المعارضة الواقع الجديد..؟
موسى يعقوب
لم تدرج أحزاب المعارضة على قراءة المستجدات من وقائع بما تستحق ولذلك شواهده الكثيرة والمتابعة علماً بأن (السياسة هي فن الممكن).. حيث بعد انفصال دولة الجنوب في العام 2011 اتخذت تلك الأحزاب ما عرف بـ(تجمع أحزاب جوبا) منطلقاً لها ومصدراً لحراكها السياسي والاعتراضي.. غير أن تلك الدولة أصابها من ترنحات واهتزازات جعلتها غير مستقرة في أوضاعها وسياساتها فلعبت على العلاقة والمصالح مع جمهورية السودان وإن لم تكن تلك اللعبات موجبة ومجزية تماماً.
وللضرورات من بعد لجأت تلك الأحزاب إلى الانخراط في ما عرف بـ(إعلان باريس) مع الجبهة الثورية لتحقيق أهدافها في تغيير نظام الحكم وفرض شروطها ومطلوباتها عليه.. من حكومة انتقالية وخلاف ذلك.. وكان بعد ذلك في “أديس أبابا” ما عرف بـ(نداء السودان) الذي كان الهدف منه أيضاً أن تحول المعارضة بين النظام الحاكم ومشروعيته التي كان سيفقدها، إذا ما انتهت الفترة التي خولت له بموجب انتخابات 2010 الرئاسية والتشريعية.
عليه وفاءً للعمل بـ(إعلان باريس) و(نداء السودان) وغير ذلك من مهام كان يتوجب استكمالها وفي مقدمتها الإحالة بين النظام وانتخابات العام 2015.. وأكثر من ذلك محاصرته والضغوط عليه عبر الجبهة الثورية وجماعات دارفور المتمردة والضغوط الخارجية من اقتصادية ودبلوماسية.. الخ.. لكن من قال إن كل ما يتمنى المرء يدركه؟ فقد جدَّ وطرأ على الساحة الداخلية والخارجية ما حال بين أحزاب المعارضة وعملت من أجله مثال ذلك:
– النظام الحاكم كما هو معلوم لم (يرحل) والانتخابات لم (تُقاطع).. بل جاءت لتزيده خمسة أعوام أخرى من الشرعية والفرصة لتجديد الذات ودعمها.
– وقبل أن تكتمل إجراءات الانتخابات كانت (عاصفة الحزم) السعودية العربية التي شكلت دفعة جديدة للنظام قد حلت ولها مزاياها وإضافاتها المنافية للرحيل.
فالانتخابات التي اعترف بنزاهتها وبلغ عدد من صوتوا فيها أكثر من (46%) من الأصوات وفاز فيها مرشح المؤتمر الوطني بنسبة عالية فاقت الـ(90%) تعد نصراً للحزب الحاكم وهزيمة لأحزاب المعارضة المقاطعة والممانعة والداعية إلى (رحيل) النظام.
ولما كانت المصائب لا تأتي فرادى..!
فإن أحداث (النخارة) في الأسابيع الأخيرة التي خسرت فيها حركة (العدل والمساواة) الكثير – رجالاً ومعدات وإمكانات – تعتبر نصراً كبيراً للقوات المسلحة السودانية، وهزيمة لجبريل إبراهيم الذي اعترف بذلك في بيان صدر عنه وهو بعيد عن مسرح العمليات.
الرئيس المنتخب والقائد الأعلى للقوات المسلحة وقد ذهب إلى مسرح العملية ليهنئ جنوده ويمنحهم الأوسمة ويقف على ما حققوه من نصر وحصد معينات وممكنات عسكرية كثيرة قدرت بأكثر من (مائة وستين) سيارة محملة بأسلحتها، يعد ذلك نصراً له آخر غير نصر التجديد لرئاسة ثانية.
ولابد أن لهذا أيضاً انعكاساته السالبة للغاية على أحزاب المعارضة التي كانت تأمل في إكمال مهمتها التي كانت تطمح إليها.. فالجبهة الثورية وجماعة “الحلو” كلها تنتظر ذات المصير، وبرنامج القوات المسلحة السودانية مستمر في إكمال مهمته وهي تحرير البلاد من التمرد وعدم الاستقرار.
في إطار هذا كله مضافاً إليه مستجد (عاصفة الحزم) التي سبق أن قلنا في أحد مشاهدنا السياسية إنها (عصفت بآمال وأحلام المعارضة)، وذلك لما لها من مردود أمني وسيادي ودبلوماسي واقتصادي.. ما الذي يتعين على أحزاب المعارضة السودانية عمله والقيام به من تحليل ودراسة للواقع المستجد..؟
فكل تجارب أحزاب المعارضة السابقة وحراكها السياسي منذ (التجمع الوطني الديمقراطي) أي قبل ربع قرن من الزمان وإلى اليوم، وصولاً إلى (إعلان باريس) و (نداء السودان).. تعد فاشلة وغير مجدية.. وعليها الآن أن تتعلم من التجارب والمستجدات لتعمل وفق ما هو جديد ويستشرف المستقبل.
النظام الحاكم – إن جاز التعبير – نعم بفترة شرعية جديدة لا جدل فيها ولا مراء.. وعلى الجميع أن يتعاملوا معها وليس أحزاب المعارضة وحدها.
والله المستعان.