(اللفح) الإسفيري.. بين مصدق ومكذب
شالوا الكلام جابوا الكلام
الخرطوم- آيات مبارك
رغم اختلاف الناس في التواصل على المواقع الإسفيرية هل هو حياة افتراضية أم حقيقية!! إلا أن كل واحدة ألقت بظلالها على الأخرى لتصبح كل التفاصيل في مهب الريح بفعل سرعة النقل دون تروٍ أو ما يعرف بـ(كوبي بيست) و(اللايكات) التي تعدّ صورة مقننة لـ(اللفح) بعاميتنا السودانية وهي كناية عن أخذ الشيء بسرعة وخفة زائدة وهي تعني أخذ شيء من أطرافه دون الغوص فيه.
في المعجم العربي لَفَحَ: (فعل) لفَحَ يَلفَح، لَفْحًا ولَفَحانًا، فهو لافِح وهي لافحةٌ ولافحٌ ولَفُوحٌ والجمع لوافحُ، والمفعول مَلْفوح وأيضاً لفَحته النَّارُ: أصابت وجهَه وأحرقته وحرّ لافح: محرق، شديد اللّهب، لفَحَهُ بِالسَّيْفِ: ضَرَبَهُ بِهِ ضَرْباً خَفِيفاً، ولفحته السَّمومُ: قابلتْ وجهَه.. وبالعامية (فلانة لفحت توبها) كناية عن السرعة لنقل الخبر أو الخروج، ويقال (لفح عمته ومشى) وهذا بالطبع سيرتديها و(يلفها) في الطريق.. فهو مسرع.. وقد تغنى الفنان الأستاذ “حمد الريح” مخاطباً محبوبة أحدهم (شالوا الكلام جابوا الكلام زادوه حبه جابوه ليك ظاهر عليك صدقتهم.. إلى أن يقول: خليتنا في مره شقا ما تبقى إلا على العدو.. لو نحنا غاليين في عينيك ما تصدق الجابوه ليك).
ونحن لسنا بغرض التصديق، لكننا في (شيل الكلام) بسرعة شديدة، وقد وقيل في الأثر الشعبي السوداني (شيال الخبار خراب الديار)، و(جدادتي الرقطة بتجيب الكلام من قعر الواطة)، وأيضاً قد رمز للأخبار بـ(الشمار) ربما لأن رائحته فواحة جداً ونفاذة.. وهذا الأمر كله يجعلنا نتساءل.. هل الإعلام الرسمي المعني بنقل الأخبار سيتحول من دوره كـ(مرسل) إلى (مؤكد) وانتظاره كـ(جهيزة) حتى يقطع دابر (اللافحين) أم يتحول دوره إلى تحريري وتحليلي؟ أم نصنع داخل ذواتنا (نقاط تفتيش) قبل إرسال الرسائل إلى غيرنا؟ كل هذا جعلنا نقلب في بعض الحالات التالية..
{ حالات (ملفوحة)
تداولت الوسائط صورة لرجل شرطة مصاب بالرصاص في إحدى مناطق الحرب.. لكن تمت فبركة الخبر اعتماداً على الصورة بأن شاباً اعتدى على رجل الشرطة، إلى أن أصدرت الشرطة بياناً لتتوقف (الحرب اللافحة).. وقبل فترة تداولت الوسائط صوراً لفتاة قيل إنها ولد أو ولد في شكل بنت، وفي غضون نصف ساعة كان جميع السودانيين بالداخل والخارج قد وصلتهم المعلومة وغداً في نفس التوقيت تم نفي الصورة مصحوبة بصور أخرى نافية وتؤكد أنها بنت وليس ولداً.
وقد تصيب السهام (اللفحية) شخصيات لها وزنها وتأثيرها في المجتمع فقبل فترة انتاشت هذه السهام ذاتها الشاعر الرقيق “إسحق الحلنقي” واتهمته بالعنصرية في تسجيل فيديو لإحدى الحلقات البرامجية، وفي غضون ساعة ذهبت قصائد الشاعر الجميل إلى المكب لأن الخبر تم تناقله وانتشر كالنار في الهشيم دون تروٍ ولم ينقذه سوى بيان عمم على جميع الصحف.. والمتابع للأمر يجد أن موقع (فيسبوك) أسرع من (واتساب) في النشر، فالحالة أو التعليق على الـ(فيس) يراه (20.000) أو أكثر، وفي هذا تحدثت إلينا “م” طالبة جامعية قائلة: (لقد تضررت من خبر شخصي يتعلق بي وقد انتشر بين صديقاتي ومعظم معارفي وأهلي.. بل إلى أشخاص لا يمتون إليّ بأية صلة.. رغم أن الحدث قد يكون طبيعياً لكن ما أحزنني أن من تداولوه أولاً هم من أقرب الناس لي ولم يكلفوا أنفسهم الاتصال للتأكد.. هو هل صحيح أم لا؟ وهل هذا هو الشكل الحقيقي للخبر أم غير ذلك؟).. بينما تحدث لنا أحد الأطباء محذراً المستشفيات بأن هناك نوعاً من الرسائل انتشر هذه الأيام تقول: (الطبيب الفلاني الزائر بأحد المستشفيات قد وصل إلى المستشفى الفلاني للعلاج المجاني).. وما أود قوله: (قد يكون هناك طبيب زائر أو لا يكون أو تختلف مواعيده.. أو أي شيء.. لكن قبل نشر الخبر بـ”نسخ” و”لصق” يجب الاتصال والتأكد.. هذا إذا أردنا أن تعم الفائدة ولأن هذا الخبر قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من تكلف أسر المرضى بما لا يطيقونه من تكاليف مادية وإرهاق جسدي). أما “أحمد” (موظف) وهو مدير لأحد (قروبات الواتساب) فحكى لي موقفاً مر به.. قال إن أحد أعضاء (القروب) نشر مجموعة من النكات ومن بينها نكتة ذات ألفاظ عنصرية، الشيء الذي خلق ربكة وبلبلة وتدخل العديد من الأجاويد لاحتواء الموقف.
{ إجازة (الاثنين)
في الأيام الأولى للانتخابات القومية توقع الجميع إعلان إجازة من أجل الاقتراع.. وفي يوم (الأحد) وبعد صلاة العشاء مباشرة ظل الكل يلفح وينشر خبر إجازة مفبركة، وأصبح الناس بين النوم والصحيان ومصدق ومكذب متنقلين بين (فيسبوك) و(واتساب) حتى يتسنى لهم النوم مطمئنين إلى أن قطعت (وكالة السودان) بالخبر اليقين حتى تتوقف الحرب (اللفحية).
{ جادة الطريق
وفي هذا تحدثت إلينا الباحثة النفسية “هويدا آدم” التي قالت إن هناك بعض الأشخاص يلجأون بدوافع نفسية إلى تصدر منصة الحديث والاهتمام، لذلك تلجأ الناس إلى المثير المفتعل حتى تلفت الانتباه.. وهناك نوع من الشخصيات التي تحاول لفت الأنظار بشتى الوسائل ودون تريث لذلك تسرع بمحاولة نقل الحديث قبل الكل دون التروي من كونه إشاعة أم حقيقة.. وقد يعود هذا أيضاً إلى نوازع الخير أو الشر فربما بدافع المساعدة أو (حب الشمار)، لكن الأمر يحتاج لبعض التعديلات في مقومات الشخصية.. وكل هذه الصفات والنوازع أصلاً موجودة، لكنها تتفاوت وقد فضحتها وسائل الاتصال السريعة.. والأمر لا يحتاج سوى رقيب ذاتي يأخذ بالنفس كلما جنحت عن جادة الطريق.
وكان للدين رأي آخر، وقال الشيخ “محمد النور” الذي التقته (المجهر) إن الإسلام أمر بالتروي والتحري في نشر الأخبار والتريث وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).. وهنا لم تأت كلمة (تبينوا) إلا من أجل الحذر حتى على لا تحدث فتنة.