تقارير

(3) أيام في بحر العرب (2 – 2)

“حسبو” لوزراء حكومة الضعين (قاعدين تعملوا شنو)!!

(سيدو) من “عبد الناصر” والبشير” إلى “حسبو”

بحر العرب – يوسف عبد المنان

كانت رحلة الأيام الثلاثة في تخوم بحر العرب مع نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” قد فتحت الوعي لقضايا مهمة.. ومشكلات أكثر تعقيداً.. ومفارقات كبيرة بين هموم ومشاغل إنسان المدينة.. وآلام وأحلام إنسان البدو الرحل!ّ! إذا كانت القرى والمحليات والولايات تشكو نقص الخدمات وتدهور الصحة والتعليم.. وتطالب بتحسين الواقع الذي تعيشه، فإن إنسان (البدو) مواطن بلا حقوق.. ولكنه يؤدي واجباً وضعته الدولة على عاتقه تنوء عن حمله الجبال الشوامخ.. فالقضية الأمنية يحملها (البدو) والآلاف من المجاهدين الفرسان الذين نزعوا الطمأنينة من قلوب التمرد فرسان الدعم السريع هم من جاءوا من البادية.. والدفاع الشعبي الذي قمع حلم د.”جون قرنق” في إقامة السودان الجديد من الرعاة.. ومن بدو التماس.. وهؤلاء يشعرون اليوم بآلام الحزن العميق على الأرض التي اغتصبها جيش دولة جنوب السودان بوضع يده في الميل (14) وسماحة.. والذين يحرسون الثغور ويحمون البلاد لا يرفعون صوتهم مطالبين بتوفير الغاز، ولا يتظاهرون في الطرقات بسبب شح المواصلات.. ولم يرفعوا شعار أرحل في وجه الإنقاذ والمؤتمر الوطني.. لكن المؤتمر الوطني وحكومته كانوا بعيدين عن هؤلاء.. وقديماً قيل لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها.. جاء “حسبو محمد عبد الرحمن” من رحم البداوة.. وواقع الريف والأطراف القصية.. وحمل قضية تلك المناطق كأنه يتقصى أثر النائب البرلماني “مشاور سهل جمعة” الذي حينما انتخبه أهله في بادية دار حامد شمال كردفان حمل معه (جركانة) فارغة ودخل القاعة ليقرعها في القاعة.. وضحك رئيس البرلمان على موقف “مشاور سهل جمعة”.. ومنذ تلك اللحظة أطلقت عليه الصحافة صفة نائب العطاشى.. فهل يحمل “حسبو” هموم البدو في كل السودان إلى قاعة التداول بالبرلمان ليبتغي لقضيتهم حلاً وهو من بيده بعض الحلول؟؟
{ العودة للضعين
بعد اللقاءات الجماهيرية العديدة بفرقان ومضارب الرحل في “دحيل الدابي”.. عاد الركب نحو الضعين ولكنه اتخذ طريقاً أقرب لحدود دولة جنوب السودان بمحاذاة بحر العرب، وحينما نقترب من حواف البحر.. نجد العشرات من سيارات (اللاندكروزرات )لقوات الدعم السريع في (الخلاء) البعيد صابرين صامتين قانعين بدورهم الوطني في حماية التراب.. هبطنا في منتجع(الكبو)، وهي منطقة سياحية جميلة..ومن معاناة الإنسان هناك وعزائم الرعاة.. أنهم يشيدون جسوراً من العيدان الجافة.. لعبور السيارات والأنعام من الأبقار والإبل والضأن والماعز، حينما تهطل الأمطار وتسيل الوديان ويتعذر على الإنسان الانتقال من منطقة إلى أخرى..ذبحت الخراف.. “والنعاج.”. والثيران.. والماعز.. وجاء الفتيان بلحوم الطيور والغزلان تعبيراً عن احتفائهم بابن المنطقة “حسبو محمد عبد الرحمن”.. ورفع الصبايا غصون الأشجار المورقة تعبيراً عن دعمهم للمؤتمر الوطني وشجرته.. وأنشد الشباب وهم على ظهور الخيول الجامحة أناشيد الفراسة والرجولة.. وتغنت الحكامات.. و(الهدايين) وودعنا تلك الرهود الجميلة عائدين شمالاً إلى مناطق أبو مطارق.. ونحن نسأل أنفسنا هل من عودة تاني!!
(سيدو) وثلاثة رجال
تعتبر (رهود) ومنتجعات منطقة (سيدو) الواقعة شرق أبو مطارق حاضرة محلية بحر العرب من المعالم التاريخية في دارفور.. ولكنها معالم من التاريخ أهملها الحاضر. . استقبلت منطقة سيدو في الستينيات الزعيم العربي “عبد الناصر”.. واستقبلت “عبود”.. و”جعفر نميري”.. وحينما أعلن مدعي المحكمة الجنائية “لويس أوكامبو” طلب “البشير” للتحقيق معه في “لاهاي”، كانت سيدو هي الملاذ الذي احتضن “البشير” بسواعد الرجال وشجاعة الفرسان.. وحينها غطت خيول الرزيقات الجامحة الأرض الواسعة.. وأدرك الرئيس “البشير” حينها أن وراءه رجال كالأسود الضارية.. ولا يزال مشهد رجل من عامة الناس يدعى “صديق” أخذته الحماسة مأخذ حمل السكين وطعن نفسه على ملأ من الناس، فاضت الدماء من جسده تعبيراً عن رفضه لاستهداف (الأفرنج) للرئيس “البشير” الذي عانق “صديق” في كبرياء وشهامة وحمله على طائرته حتى الخرطوم.. (سيدو) تمثل أكبر تجمع للعرب الرحل في فصل الخريف.. ومهرجاناً لم يجد الرعاية من الدولة لتستثمر في التنوع الثقافي والتعدد المجتمعي.. وكان حرياً بوزارة الثقافة أن تجعل من (سيدو) قبلة عالمية يتوافد إليها سنوياً السياح الأجانب من فجاج الأرض وسوقاً للنياق الأصيلة والخيول النادرة.. ومنتجعاً مثل شرم الشيخ في مصر يستقبل فيه الرئيس في فصل الخريف والشتاء زوار البلاد.. وتنعقد المؤتمرات.. وتقام ليالي الشعر والمسابقات.. ولكن سيدو ظلت تنتظر دورها.. وبذات حرارة الاستقبال الذي حظي به الزعيم “جمال عبد الناصر”.. ومن ذات الوجوه التي ابتسمت ابتسامة الرضا في وجه الرئيس “عمر البشير” قبل (8) سنوات من الآن. .كان لقاء سيدو مساء (الاثنين) حاشداً بالرجال والنساء.. والشباب.. رغم أن مياه البحيرة قد انحسرت.. وطيور الرهو قد أرهقها التحليق .. ولكن حشود بحر العرب قد غطت سماء شمس أبريل الحارقة من الصباح الباكر وحتى المساء في انتظار قدوم ابن المنطقة “حسبو محمد عبد الرحمن” الذي شكل وجوده في القصر الرئاسي نائباً للرئيس، رضاءً واسعاً عن الإنقاذ خاصة في إقليمي كردفان ودارفور، وذلك من واقع اهتمامه بقضايا المواطنين وقربه منهم.. وتقريبهم إليه.
قال الفريق “يحيى محمد خير” وزير الدولة بالدفاع إن القوات المسلحة من خلال عمليات الصيف الحاسم قد قبرت التمرد وبددت أحلامه.. وجعلته يلوذ بالخارج وأن تهديد التمرد للانتخابات قد أجهض.. بفضل القوات النظامية.. وأن توجيهات الرئيس بعدم التفريط في شبر من الأرض هي توجيهات القائد لجنوده ونحن ننفذ توجيهات القائد.. وسط ارتياح كبير من الجماهير لحديث الفريق “يحيى”.. أما الوالي “الطيب عبد الكريم” فقد دعا لوحدة الصف ونبذ الصراعات القبلية. وقال إن حكومته قد وضعت خطة لتأمين مسارات الرحل بدءاً من يونيو القادم وحتى عودتهم جنوباً في أكتوبر القادم.. الدكتور “حسبو محمد عبد الرحمن” حينما صعد لمنصة الخطابة للحديث للجماهير الكبيرة في (سيدو) كان الشعر حاضراً والأدب الشعبي شاخصاً بصره.. أنشد أحد البدو قصيدة على طريقة الدوباي والهداي في تلك المناطق وقال ..
نحن أولاد رزيق الحر قعرنا
نحن دولة غليدة في قعور شدرنا
زكينا بقرنا وعقلنا جملنا
بناكل في عسلنا ولحمنا وبنشرب لبنا
بلا الدود والمرفعين ما في شيء سألنا
نحن مع الإنقاذ اتفقنا والإنقاذ لقت خبرنا
نصرنا “البشير” و”البشير” شكرنا.
هي أبيات عامية بدلالات عميقة لكن “حسبو” في حديثه لجماهير سيدو التي احتشدت بالآلاف، قال إن قضية التعليم تمثل أولوية قصوى.. في برنامج السنوات الخمس القادمة. لم يتحدث “حسبو” عن نقص الأثاث ولا مرتبات المعلمين ولكنه تحدث عن التعليم من حيث المبدأ.. كيف ينهض وما هو دور الدولة ومساهمة المجتمع في تغيير الواقع الراهن.. وهو يدعو لتعليم البنات وأن يجد طبيبة من منطقة دحيل الدابي.. ومهندساً من أم عشش.. وطياراً من أم مطارق.. وقبل مغيب الشمس بقليل انفض اللقاء.. ووجد النائب صعوبة بالغة في الخروج من ساحة الاحتفال.. شيوخ يتدافعون لمصافحة ابنهم ونساء يحملن العطور الباريسية لسكبها على الرجال تقديراً منهن لدور هؤلاء، ووجد “حسبو” عند أهله (الرزيقات) تكريماً يستحقه وتقديراً لرئيس الجمهورية الذي لو طلب من الرزيقات اليوم أن يحملوا جميعاً السلاح لحملوه ونافحوا عنه نفاح الأبطال.
في مجلس وزراء الضعين
قبل عام من الآن حينما ترجل د. “عبد الحميد موسى كاشا” عن منصب الوالي وجاء العقيد “الطيب عبد الكريم” والياً.. يتعذر على زائر منزل الوالي فتح الأبواب الحديدية، أثاث قديم منذ حقبة “عبد الرحمن الخضر” محافظاً على الضعين.. ولكن ثمة إصلاحات كبيرة طالت منزل الوالي وواجهة المدينة.. إلا أن بناية أمانة الحكومة لا تزال تنهض ببطء شديد.. وتفقد نائب الرئيس سير العمل في إنشاء أمانة الحكومة الجديدة.. متعهداً بتذليل الصعاب التي واجهتها .. وفي اجتماع مجلس وزراء حكومة ولاية شرق دارفور بدا “حسبو محمد عبد الرحمن” (حافظاً) لملف الحكم اللامركزي.. من قضايا الفصل الأول وإهدار المال في صيانة السيارات.. وتحدث بصراحة شديدة عن واقع الوضع المالي في الولاية ورسم خارطة طريق للإصلاح تبدأ بإيقاف التعيينات العشوائية وضبط الصرف، وخفض الفصل الأول حتى لو اقتضى الأمر التخلص من العمالة الزائدة وغير المفيدة.. أو توزيعها على المحليات.. وذلك بعد أن أصبح الفصل الأول شاغلاً مقعداً لحكومة الولاية. وصوب “حسبو” بصره نحو قضية الإعلام في الولاية ولماذا توقفت صحيفة (الضعين).. وأسباب صمت تلفزيون الضعين منذ سنوات.. وكيف تعمل إذاعة الضعين دون حتى سيارة واحدة؟ وقد تعهد نقيب الصحافيين “الصادق الرزيقي” بتدريب الإعلاميين والصحفيين وتنظيم دورة في الضعين لتدريب الإعلاميين لرفع القدرات.. وتساءل النائب الأول لماذا يبقى وزير الثروة الحيوانية في الضعين ولا يطوف على مضارب الرحل، حيث أكثر من مليون رأس من الأبقار الآن تحتاج إلى التطعيم والرعاية؟؟ وقال “حسبو” بلهجة صارمة جداً (قاعدين تعملوا شنو في الضعين) لماذا لا يصبح الوزير قريباً من المواطن.. الآن انتهت الانتخابات وبدأت مرحلة جديدة إما أن نعمل بطاقتنا القصوى وإما أن نذهب جميعاً.. وانتقد النائب بشدة تباطؤ وزراء الولاية وضعف حماستهم لمشروع التمويل الأصغر، حيث كان ينبغي عقد اتفاقيات مع بنك الادخار لافتتاح فرع للمصرف في الضعين حتى يستفيد منه الفقراء.
الزيارة الميدانية لمستشفى الضعين صباح (الثلاثاء) كشفت القناع عن وجه المستشفى الحقيقي، حيث غرفة العمليات تفوح منها روائح نتنة بسبب الإهمال وغياب المسؤولية.. والدخول لغرفة العمليات بمستشفى الضعين كأنها عقوبة.. عقد النائب اجتماعاً بمدير المستشفى والأطباء في وجود الأمين العام للوزارة، وكان اجتماعاً قصيراً.. لكن خرج الصحافيون والمصورون من الغرفة بسبب الروائح الكريهة المنبعثة منها. ثم توجه النائب للعنابر الجديدة وأخذ يسأل المقاول عن سير العمل ولماذا التباطؤ الشديد في إكمال العنابر!! أثارت أسئلة نائب الرئيس مخاوف الوزراء والمعتمدين الذين شعروا بالرقابة المباشرة على الأداء.
مع حرس الحدود
بعد إلغاء الزيارة التي كان مقرراً أن يقوم بها النائب لمنطقة أم عجاجة وتهنئة فرسان الدعم السريع على حسن الأداء ودحر التمرد وزرع الطمأنينة في القلوب.. عقد “حسبو محمد عبد الرحمن” والفريق “يحيى محمد خير” اجتماعات مطولة في مقر رئاسة اللواء بالضعين، حضرها إلى جانبهم مدير جهاز الأمن بالولاية وضباط قوات حرس الحدود، ولأكثر من ثلاث ساعات وقف النائب على حقيقة الأوضاع بالمنطقة واطمأن على الترتيبات التي تم وضعها للحيلولة دون تجديد نزاع (الرزيقات) و(المعاليا) .. و(الرزيقات) و(المسيرية).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية