شباب ومؤسسات ومبدعون في خدمة السياحة
(جداريات) و(نوافير) زينت واجهات المرافق والشوارع الرئيسية للخرطوم عموم
المجهر – ميعاد مبارك
المتأمل للحراك السياحي الكبير الذي تشهده “باريس” عاصمة الجمال أو الجزر الإيطالية العتيقة وضواحي وحاضرة مدينة الضباب، يعي تماماً أن اللمسات الفنية البسيطة تحدث فروقاً كبيرة، فقد تجذب لوحة لا يتجاوز طولها المتر أو قطعة أثرية بحجم عُقلة الأصبع آلافاً مؤلفة من السياح، أضف إلى ذلك المدن التي حباها الله بجمال الطبيعة وبإنسان يعي كيف يستثمر هذا الجمال الباذخ، وفي سوداننا آيات ودلائل لا تحتاج لمفسر، فالثروة السياحية لهذا الوطن لا تقدر بثمن فقط تحتاج يد صانع ماهر، تعيد بريقها مع تكاتف أهل الفن والمال والسياسة، كانت لـ(المجهر) وقفة مع بعض البوارق المضيئة والمبادرات المعلنة أو المضمنة التي ترفع راية السياحة في السودان.
السودان بعدسات شبابية
انتشرت عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مواقع ومجموعات شبابية هدفها عكس الوجه المشرق لهذا الوطن الشاسع الجمال، عبر صور تخيرت مواطن الجمال فيه وبزاوية مصورين مبدعين أخرجت صوراً فوتوغرافية الأجدر أن نسميها تحفاً فنية، استطاع هؤلاء الشباب أن يثيروا المواطن السوداني قبل السائح الأجنبي، بالمواقع السياحية الجاذبة والمعالم الأثرية والمحميات الطبيعية، مضيفين نبذة صغيرة عن المنطقة وتاريخها وأهم الأحداث التي حدثت فيها بصورة تربط المتلقي بالمكان. ومن أشهر هذه المجموعات”سودانيزفوتو”، و”السياحة السودانية”، مجموعة “مصورين سودانيين”و”ترهاقا”. ويرى رئيس نادي الخرطوم للتصوير الضوئي أستاذ “حق الله الشيخ” أن الصورة الفوتوغرافية أثبتت جدواها عن جدارة واستحقاق في مجال الترويج للسياحة الداخلية واجتذاب السائح الأجنبي، لأنها وسيلة معبرة وسهلة النقل عبر الوسائط المتعددة ومواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن الإشكالية تكمن في جودة الصورة المنشورة عبر هذه الوسائط وهل تستحق النشر، وهل تؤدي المطلوب منها أم تنفر السائح، وتقلل من جمالية وقيمة الموضوع أو المشهد، لكنه يدعم وبقوة الحراك المهم الذي تبعه المصورون السودانيون عبر نشر وتعميم الترويج السياحي عبر المعارض والكتب، ومواقع التواصل الاجتماعي، فالبلاد غنية جداً بالتراث والمتاحف والآثار والمناطق الخلابة التي تحتاج إلى دعاية واعية، وأضاف “حق الله” يتوجب على المؤسسات المعنية بالسياحة أن تركز وتدعم فن التصوير الفوتوغرافي وتعمل على تدريب وتأهيل الكادر الوطني.
واجهات فخيمة ولمسات أنيقة
واجهة فخيمة بإطلالة خضراء لبنك السودان المركزي تبث الحياة في نفس المارة وتمنح المؤسسة العريقة المكانة والمهيبة التي تستحقها، وإطلالة راقية لفنادق السلام روتانا، تضفي على جل الشارع لمسة من الفخامة والأناقة، أضف إلى ذلك واجهة مبنى بنك النيل الأزرق والمشرق الواقع في تقاطع شارعي البلدية والمك نمر، واجهة جمعت بين الأناقة والبساطة تتوسطها نافورة على شكل نصف كرة، يعلوها شكل تجريدي لكائن بحري باللونين الأزرق الفاتح والعاجي، مانحة الموقع جمالية وأريحية أكبر بفضل ألوانها الهادئة وتصميمها الراقي، الذي يجعل المار في لظى الشمس يشعر ببعض من سلام النفس، بالإضافة إلى الجانب الحضاري والسياحي المهم الذي تضيفه مثل هذه التفاصيل البسيطة.
العديد من المؤسسات والشركات العامة والخاصة درجت في الآونة الأخيرة على تجميل شوارع الخرطوم ضاربة خير مثال لإقرانها في ما يلي الجمع بين المنفعة الخاصة والعامة.
الفن في خدمة السياحة
(جداريات) و(نوافير) زينت عدداً من واجهات المرافق والشوارع الرئيسية في البلاد حملت بألوانها المضيئة وتجسيدها القوي ثقافة وطن على صفحة جدار، برمزية جميلة حكت عن الخلاوى وحفظة القرآن، النيل العظيم والأهرام، (القطاطي) و(المزيرة) و(الكوز) و(المخلاية)، حملتنا على أشرعة الأمل وهي تطوف بنا بين ثروات الوطن البحرية، مياهه العذبة وإشراقة شمس صباحاته البهية وطبيعته وإنسانه، كل هذا في صفحة جدار برمزية راقية وأغلبها لفنانين ومبدعين سودانيين.
أكد لـ(المجهر) الخبير السياحي الأستاذ “إسماعيل محمد توم” أن السياحة في السودان تمثل قاطرة التنمية، ومصدراً مهماً للعملة الصعبة وقد تفوق غيرها، فدولار السياحة بدولارين، مضيفاً أن السودان يملك مقومات سياحية عظيمة، لذا يجب أن تولى عناية كبيرة عبر تخصيب بيئة الاستثمار فيها، وهذا ما شهدناه في الآونة الأخيرة، حيث شهدت المؤسسات السياحية تطوراً نوعياً عبر وجود إدارات سياحية في كل مدينة والاهتمام بالمهرجانات والمعارض والفنون الأدائية من أغنية وصورة ولوحة، حتى لو كان التنظيم ليس بالمستوى العالمي فهو خطوه مهمة في سبيل التقدم السياحي، مشدداً على أن السودان في طور الإعلان عن نفسه، وإبراز جماله للعالم وهذا الدور الذي يجب أن توظف له الصورة الفوتوغرافية، فهي قادرة جداً علي اختزان اللحظة وعكس المشهد للعالم بأثره في ظل السوق والمنافسة العالمية المفتوحة. كما أثنى “إسماعيل محمد توم” على الجداريات والواجهات التي زينت البلاد، ولكنه يرى أن مثل هذه الفنون يجب أن تطبق بناء على ضوابط ومجلس هندسي وفني متخصص، لأن الجمال المشتت على حد قوله، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، فالنمط العمراني والنسق الفني للريف الإنجليزي، أو لـ”الدار البيضاء” أو “دبي” انطبع بصور ومشاهد معينة، ومع تكرار هذه المشاهد رسخت في عقول السياح.
تطور سياحي ومدن تنتظر
ميناء السودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر “بورتسودان” حورية الجمال التي تهرول وتثب بخطى سراع نحو التقدم، وخصوصاً في مجال السياحة الداخلية واجتذاب السائح الأجنبي، فمواطن وحكومة الولاية في حالة استنفار دائم، ساعين نحو كل مقومات المدينة السياحية المتكاملة، والشاهد على التطور العمراني والعناية الكبيرة بالشواطئ والمرافق وازدهار المنتجعات والعمل الفندقي، بالإضافة للمهرجانات الكبيرة التي شهدتها المنطقة، واغتنام المناسبات وفترات الأعياد والحراك الفني الكبير، الذي شهدته “بورتسودان” وضعها بجدارة في مصاف المدن السياحية المهمة، وإذا نظرنا إلى النصف الآخر من الكأس نجد مدناً باذخة الجمال حفتها يد الله بنعم لا تعد ولا تحصى مثل “جبل مرة” الساحرة بكل تفاصيلها وأيقونة ولاية النيل الأزرق، “باو” البهية، بصخورها السوداء الكبيرة وطبيعتها الجبلية وتلك الأشجار العملاقة التي ضربت جذورها أعماق الصخر، لتفجر ينابيع مياه لا يدري المشاهد كيف خرجت من بين تلك الصخور العتية، ثم تتخبط هذا الجمال دانات وقذائف وألغام كست إنسانها، قبل طبيعتها، بالرماد والدماء والخراب الاقتصادي، فمثل هذه المناطق تنتظر قيمة السلام لتتكاتف مع أخواتها من أجل بلد سياحي كامل المقومات.