المشهد السياسى
عبور “البشير” الكبير له ما يبرره
موسى يعقوب
أفصح الصندوق الأبيض– أي صندوق الانتخابات– عن نتائج شبه نهائية في الداخل والخارج جماعها أن السيد “عمر البشير” مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة قد حصل على نتائج نسبها عالية للغاية بلغت الثمانين والتسعين بالمائة، في حين تدنت حصص منافسيه إلى المرحلة الصفرية في بعض الأحيان وفي الخارج تحديداً. ولكلٍ من الحالتين أسبابها ودواعيها التي تبدو للعيان.
منافسو السيد “البشير” وإن كانت لهم برامجهم وأصواتهم العالية في طرح البديل للنظام ورئيسه، وكان لهم حضورهم في الإعلام المسموع والمرئي إلا أنهم في جملتهم كانوا غير معروفين للناخب السوداني ولم يكن لأحزابهم ،إن كانوا ممن تقف خلفهم مجموعات حزبية ،السمعة الحزبية والانتخابية الواسعة والتي لها مواردها وتاريخها وإمكاناتها التي تمكنهم من الوصول إلى الجماهير والرأي العام.
لتلك الأسباب وغيرها ورغم ادعاءات بعضهم بدعم الناخبين لهم، كان الطريق أمام السيد “عمر حسن أحمد البشير”، مرشح المؤتمر الوطني سالكاً وماهداً بما يكفي وزيادة، ومن ثم كانت إفصاحات وإفادات (الصندوق الأبيض) على نحو ما رشح وبدر من نتائج غير نهائية ومختومة.
وليس منافسو “البشير” في الانتخابات الدستورية هذا العام وحدهم الذين أصيبوا بعدم التوفيق والفشل، وإنما غيرهم ممن حملوا راية مقاطعة الانتخابات وإجبار “البشير” ونظامه على الرحيل، والمقصود هنا أحزاب المعارضة وغيرهم ممن يخوضون الانتخابات، كالمؤتمر الشعبي. فمن ذهبوا إلى صناديق الاقتراع من جملة ثلاثة عشر مليون مسجل، قرابة الأربعين بالمائة من تلك الجملة أو تزيد.. وهي نسبة مقبولة لا سيما أن ما حصده منها السيد “البشير” كان كبيراً وجاذباً للانتباه والنظر.
فالفائز بالرئاسة لجولة ثانية الرئيس “عمر حسن أحمد البشير”، رئيس المؤتمر الوطني ورئيس نظام الإنقاذ الوطني، تعني عودته انتخابياً وديمقراطياً في إثر مراقبة داخلية وخارجية للانتخابات شهدت بنزاهة الانتخابات وشفافيتها، تعني عودته هزيمة لشعار الرحيل الذي يرى أهله من أحزاب المعارضة أنه ما يزال باقياً ومرفوعاً – والأمر لله من قبل ومن بعد.
لقد حقق “البشير” عبوراً انتخابياً وسياسياً ودبلوماسياً كبيراً. فالعبور الانتخابي في ظل ما رشح معروف، وأما السياسي والدبلوماسي فيعني أن جولاته التعبوية الداخلية الواسعة والتي تم فيها طرح المكاسب ومعالجة الإخفاقات قد جمعت الصف وأعادت الحيوية للنظام، كما أن إجراء الانتخابات في مدن وعواصم المهاجر السودانية حرك الحس الدبلوماسي إعلامياً في تلك البلاد بما فيها بروكسل ولندن الأوروبيتان، كما فعل وجود ممثلي المنظمات المراقبة للعملية الانتخابية.
النظام الحاكم ورئيسه والحال كذلك لم يكونا معزولين حتى يسهل تعطيل مهامهما وأهدافهما، بل وأكثر من ذلك يكون إجبارهما على الرحيل والمغادرة بالحسنى أو غيرها. فالرحيل بالحسنى أو غيرها لم يكن، ويبدو الآن بعد الانتخابات وهي الوسيلة الديمقراطية السلمية لتداول السلطة، غير ممكن بسبب:
{ الشرعية المكتسبة من جهة.
{ وقيام انتخابات آمنة في كل البلاد– تقريباً- يعني أن العناصر المتمردة وهي من يعوّل عليه في الرحيل لم تعد قادرة لفعل ذلك.. من جهة أخرى.
لقد عبر “البشير” ونظامه عبوراً كبيراً، ولذلك مبرراته ومنها ما ذكرنا أعلاه في النقطتين المذكورتين، وأمر آخر له ذكره في هذا السياق هو:
ولوج شخصيات حزبية ومستقلة إلى البرلمان القومي والولائي بعد هزيمة مرشحي الوطني.. وهو ظاهرة صحية وتعني أن المجالس التشريعية ستنعم برموز أكثر قدرة على الإفصاح عن الرأي..!
وغير ذلك مما يعد إيجابياً منذ البداية هو أن حزب المؤتمر الوطني قد تنازل لشركائه من الأحزاب عن (30%) من الكتلة التشريعية، مما يعني أنه آثر الشراكة وحضور الآخر على (الكنكشة..!).. ونحسب أن ذلك كله من موجبات العبور للدورة الرئاسية الثانية. وما زال هناك ما يستحق النظر في ما جرى في الماضي وسيجري فيما بعد وبخاصة الانتخابات الرئاسية والعامة وصولاً إلى ما هو مطلوب.. لتكتمل مبررات العبور الكبير.