ما ذنب هؤلاء
حزنت وأحسست بغصة وأنا أتابع أخبار تعطيل الهجوم على منطقة “هبيلا” بجنوب كردفان من قبل عصابات الجبهة الثورية لسير اللحظات الأخيرة لامتحانات الشهادة السودانية، إذ وجد التلاميذ أنفسهم فجأة في مرمى نيران العدو فتفرق شمل براءتهم بين جرح وقتل وطفل يهيم في الفلوات فاراً بجلده ولئن ضاع مستقبله الدراسي فليحفظ بعد عناية الله عمره.
إنها جريمة إذ ما ذنب تلاميذ مدارس بصراع المعارضة مع الحكومة! وما الذي يجعل تلميذاً ممتحناً هدفاً لفئة ضالة ترتكب كل يوم ما يؤكد أن حاملي السلاح، إن حازوا في هذه البلاد سانحة حكم فلن يسلموها إلا للأحقاد والجهالات وهذه ليست المرة الأولى، فمن قبل فعلتها حركة “عبد الواحد نور” قتلت وجلدت الممتحنين في سنوات مضين بمنطقة جبل مرة، وحركة “مناوي” هاجمت قافلة كانت تقل تلاميذ إلى مراكز امتحانهم، إنه سلوك معتاد ومتعمد الغرض منه انطفاء أي شمعة للتنوير. المناضلون الثوار يريدون أن يتقلب أبناؤهم بين المدارس الخاصة في نيروبي ولندن وأديس، بينما أبناء المهمشين يموتون بالجهل والرصاص في “كتم” و”هبيلا” و”أم حيطان”.
لماذا يحرم أبناء المساكين والذين يدخرهم أهلهم ليوم كريهة وسداد ثغر ولغد أفضل لهم يحرم هؤلاء من التعليم والامتحان ويهدر عامهم الدراسي، بهجوم قد يشن في أي لحظة لإرضاء نزق سياسي أو نزوة قائد ميداني، وفي الوقت عينه يتوزع أبناء كبار المناضلين على مدارس سيتي، هارو، سانت بول، هاي جيت ومدرسة ستمنستر في لندن وضواحيها ثم يكون مفروضاً على الناس هنا في الدلنج وأبو كرشولا وروكو وشرق الجبل، أن يشرد أبناؤهم ويحرموا من أبسط حقوقهم بسبب حرب لم يقرروها أو يسعوا لها، وهي تستعر الآن بسبب التهديد بتقويض الانتخابات رغم أن هؤلاء الصغار والتلاميذ لا علاقة لهم دستوراً وقانوناً بالانتخابات نفسها ليحاسبوا على قيامها أو عدم قيامها.
ليس أخلاقياً ولا كريماً ولا عملاً ثورياً أن يؤمن قادة الحركات المسلحة فرص التعليم لأبنائهم في أعرق المؤسسات وفي أرقى المعاهد والكليات بأوربا وأمريكا، ثم يفرضون على المساكين في قرى دارفور وكردفان عدم مواصلة الدراسة بالقهر والإرهاب، حيث يتم تدمير العملية التعليمية لصالح انتصار سياسي أو فرقعة إعلامية ثمنها إرعاب الصغار وتدمير فرصهم. إن مثل هذه الجريمة يجب أن تكون مدانة من الجميع والأمر يتجاوز جدلية حكم ومعارضة إلى حق مواطن برئ وأعزل.
إن هذه الدرجة من عدم الأخلاق لم ينحدر إليها بشر في تاريخ النزاعات، إن التمرد والذي هو في الأصل حرفة التائهين الحائرين ممن خسروا كل شيء، إنما هو يبذل أحقاده وينفسها على البسطاء في الأطراف والهامش وهو بأفعاله تلك إنما يسعى لتجهيل من يزعم أنه يحارب لأجلهم، إن التمرد مثلما قبح بأنشطته الحاضر إنما يريد أن يرهن المستقبل كذلك لصالح قوى الشر والظلام فقولوا … لا.