مواطن يستحق الشكر والتقدير..!!
تجانى حاج موسى
صباح اليوم التالي لوصولنا إلى دنقلا توجهنا إلى مطارها.. لا يبعد عن المدينة كثيراً من قصر الضيافة حيث بتنا فيه ليلة، والقصر نظيف وجميل والعاملون عليه تعلو وجوههم الابتسامة، وبدأت في المكان حركة نشطة وحيوية، والوالي البشوش كان يجلس في استقبال القصر وفي معيته بعض من طاقم حكومته.. ورائحة طعام الإفطار تملأ جنبات المكان.. استراحة المطار كانت أنيقة مفروشة بمقاعد وثيرة، ومهبط الطائرات نظيف، وطاقم المطار متأهب لاستقبال طائرة الخطوط الجوية السودانية الصغيرة التي توشك على الهبوط، ومضيفنا الذي وصل قبل يوم لاستقبال ضيوفه كان أنيقاً هادئاً بشوشاً مبتسماً كعهدي به، فالرجل صديقي منذ سنوات ما رأيت وما سمعت منه سوى ذلك الهدوء المتواضع، والذي لا يعرفه يحسبه أحد الموظفين في مؤسسته الكبيرة الناجحة المتقدمة.. هبطت الطائراتان المطار ونزل ضيوف الحفل.. وزير المالية الاتحادي، وزير الزراعة الاتحادي، والي ولاية سنار، وزير مجلس الوزراء، حرم مقدم الدعوة وأبناؤها والأهل والأصدقاء وعدد مقدر من الشخصيات العامة ونجوم المجتمع وفرقة الصحوة ومغنية شابة اشتهرت بغناء الحماسة بآلة الرق.. وفرقة موسيقية عسكرية جاءت لتعزف السلام الجمهوري للأخ النائب الأول للأخ رئيس الجمهورية، فقد بات ليلته مع أهله ووزير الاستثمار الاتحادي هو الآخر بات مع أهله وعشيرته في مرتع صباه وتذكر سنوات الدراسة حتى المرحلة الثانوية ورفقاء الصبا.. وصديقي سلطان “كيجاب” كان حضوراً، جاء من كندا لتفقد الأهل والعشيرة.
قبل الاحتفال بيوم وصلنا مساءً مباشرة إلى مكان المشروع الزراعي الكبير الكائن بقرية “التيتي” التي تقع جنوب غرب مدينة دنقلا ليطمئن مضيفنا على الترتيبات الخاصة بالاحتفال التاريخي العظيم، فالمناسبة هي حصاد محصول القمح الذي تمت زراعته في مساحة بلغت آلاف الأفدنة في أرض بلقع نائية عن النيل تمت سقايتها بمياه جوفية تم إخراجها عذبة نقية ورشحت مياهها عبر المواسير المثبتة في إطارات تجرها المقطورات على الأرض اليباس الجرداء لتحيلها مروجاً خضراء يانعة تسر الناظر ونبتت سنابل القمح التي تتمايل طرباً وحبوراً.. وجاء التلفزيون القومي وقناة النيل الأزرق وعدد مقدر من رؤساء تحرير الصحف وكان أصغر أبناء مضيفنا نجم الاحتفال- يحفظه وإخوته الله- وشيخ صالح حافظ القرآن الكريم وإمام المجمع التعليمي الديني عطر المكان بصوته الرخيم وهو يتلو آيات من الذكر الحكيم قبيل الاحتفال الكبير مباركاً بها المسجد الصغير الملحق بمعسكر المشروع، وفي باحة واسعة بأرض المشروع نصبت ثلاث خيام (لزوم مراسم الاحتفال)، ونُحرت الذبائح وانسابت أصوات مكيفات الهواء تبرد حرارة الجو، وفرشت سجادات بمساحة الخيام الأنيقة وبدأ الطهاة يعدون الطعام في الليلة السابقة للاحتفال ورصت كراسي الجلوس الوثيرة وثبتت الديباجات تحمل أسماء كبار الضيوف.. وعند ظهر يوم الاحتفالات دارت ماكينات العربات إلى مكان الحفل قبيل وصول ركب الأخ النائب الأول للرئيس.. هنا أخذت أحدق في حقل القمح الذي امتد مدّ البصر وذهبت أجوب الحقل وأقطع حزمة من سنابل القمح وأفركه بين أصابعي لأمضغه.. وجاء أهل القرية التي سألت عن معنى اسمها بالعربية فأفادني بأن “التيتي” تعني (الصغير اليافع).
المهم، لحظتها انتابني شعور بالرهبة والفرح ورحت أحدث نفسي.. (350 مليون دولار!! توكل صديقي وبذلها للمشروع!! عفارم عوافي!! يعني رأس المال الوطني ما جبان!! أهو مواطن من أهل السودان ينفق مالاً مقدراً دون وجل أو خوف فيحيل هذه الأرض الجدباء إلى حقل ينتج قمحاً وهذا وحده مدعاة للمباهاة).. ويمكن أن نغني من جديد الأغنية التي نظم كلماتها صديقي الشاعر الإنقاذي “محمد عبد الحليم” ووضع لحنها صديقي المرحوم الموسيقار الرائد “كسلاوي”: (فلنأكل من ما نزرع).
في خطابه الذي ارتجله الأخ النائب الأول وجه حكومة الولاية بضرورة منح صديقي مساحات أخرى طالما أتى هذا المشروع أكله خيراً وبركة.. ومضى والي الولاية الشمالية على نفس منوال الحديث وأكد أن الولاية تضم عدة مشروعات مماثلة واعدة أهل السودان بالخير العميم.. والجميل في الأمر أن ولاة أمور العباد من أهل السودان اجتمعوا في ذلك النهار الحار في تلك الخيمة المباركة ليشهدوا عيد حصاد القمح ومشروع صديقي ابن الأسرة العريقة “معاوية محمد أحمد البرير”.
حادثة انقلاب عربة أبنائه كادت أن تحيل ذلك الفرح الكبير إلى حزن غير أن اللطيف الكريم سبحانه وتعالى لطف بنا جميعاً ولم يحدث أي مكروه، وهذا من كرم الله على صديقي الكريم الذي سخر ما أعطاه الله لوطنه وبلاده وقدم النموذج الاقتصادي الواعد بالخير، وأكد أن مستقبل هذا الوطن الحبيب في الزراعة ويمكن لأهل المال بالوطن أن يبذلوا أموالهم في مشاريع تعود عليهم والوطن بالخير العميم.
شكراً أخي “معاوية” نيابة عن كل أهل السودان.. وزادك الله منعة وصحة.