المشهد السياسى
سد النهضة ومفتاح العلاقات..!!
موسى يعقوب
المتشائمون ومن يطمعون في تسويق أسلحتهم ومصالحهم عبر الجفاء والخصومات بين شعوب العالم الثالث كانوا يحدثوننا عن (حروب المياه) كبديل للحروب الأخرى، حيث هناك دول منبع ودول مصب ومجرى أنهار ومن أشهرها دول حوض النيل الأفريقية. وعليه عندما ظهرت فكرة سد الألفية أو النهضة الإثيوبية أثار ذلك لدى البعض غير قليل من الهلع. وذلك أن ثمانين بالمائة– تقريباً– من جملة مياه النيل الأزرق الذي يصب مع النيل الأبيض عبر جمهورية مصر العربية التي تعتمد عليه.
وتلافياً لإثارة الهلع والقلق من حروب المياه ومن بعض المبادرات كسد النهضة الإثيوبي نشطت الدول والأقاليم المعنية بالأمر عبر خبرائها في دراسة الاحتمالات، وبخاصة سد النهضة. ويذكر هنا دور جمهورية السودان التي تتمتع بعلاقات خاصة مع مصر وإثيوبيا في وقت واحد أسوة بدول أخرى في محيطها القاري والعربي. والإحالة هنا إلى ما تم نهار أمس الأول الاثنين 23 مارس، حيث التقى في الخرطوم وبترتيب ودعوة كريمة من الرئيس السوداني المشير “البشير” كل من المشير “السيسي” رئيس جمهورية مصر العربية ورئيس الوزراء الإثيوبي “هايلي ماريام ديسالين”، بغرض المصارحة والتفاهم والتوقيع على إعلان أو اتفاق مبادئ إطاري حول سد النهضة الذي وقع عليه الرئيس السوداني أيضاً بحسبان السودان جار للدولتين ودولة الممر للنيل الأزرق ونهر النيل، ويتأثر نفعاً وضرراً بسد الألفية أو النهضة المذكور.
وقد كانت لقاءات وكلمات الرؤساء الثلاثة في ذلك النهار فاتحة حسن علاقات وتبادل منافع ومصالح بينهم وبين شعوبهم لا ريب.. لا سيما أن السيد رئيس الوزراء الإثيوبي كان قد ذكر في كلمته أن رئيس الوزراء الراحل “زيناوي” مبتدر فكرة السد كان قد ذكر أن السد سيكون فيه نفع للجميع وليس الشعب الإثيوبي وحده. والمشير “السيسي” من جانبه وبعد أن ألقى كلمته الرسمية أضاف إليها كلمة خاطب بها الشعب المصري وحاجته لما يحقق مصالحه ومصالح الشعب الإثيوبي والسوداني، ففي عالم اليوم المصالح والهموم مشتركة لا سيما بين أهل الجوار ومن بينهم ما يجمع أكثر مما يفرق.
والاثنان معاً– الرئيس “السيسي” ورئيس الوزراء “هايلي ماريام ديسالين” ذكرا دور السودان ورئيسه “البشير” في ذلك الشأن بالشكر والعرفان والسعي الحميد في الجمع بين الأطراف في مثل ذلك الحدث المعلن. وكلمة الرئيس “البشير” نفسها صبّت في أن العالم بحاجة إلى تبادل المنافع والمصالح والأمن والسلام أكثر من غيره. ولعله قد بادر تلك المبادرة بالكثير مما يدعم العلاقات من طرق ومواقع تجارية حرة وحريات أربع وغير ذلك مما سيضفي عليه سد النهضة المزيد عند اكتمال إنشائه بالمواصفات التي أجمع عليها فنياً وسياسياً واقتصادياً.
تبعاً لذلك وتداعياً معه كحدث إقليمي أفريقي وعالمي، كان الحضور الرسمي والدبلوماسي من دول الجوار، فضلاً عن غيرها، كبيراً كما شهدنا ورأينا عبر شاشات التلفزة. وهو شهادة على أن السودان وهو يجمع الأطراف على التوقيع على (اتفاق وإعلان مبادئ سد النهضة) يقوم بدور أمني واقتصادي كبير في الداخل والخارج معاً وليس كما يشاع ويقال عنه وعن رئيسه “البشير”.
ومن يعود إلى قرابة الخمسين عاماً إلى الوراء– أي (مؤتمر اللاءات الثلاث) في 1967 في الخرطوم وقد جمع من القادة العرب وأوعى بعد حرب السادس من يونيو وتم التصالح فيه بين الملك “فيصل بن عبد العزيز” والرئيس “عبد الناصر”، وحسم فيه الأمر الرافض للعلاقة مع الدولة العبرية، يجد أن قيام جمهورية السودان بمثل تلك الأدوار (صناعة سودانية) تظل باقية ومستمرة، لاسيما إذا ما كان هناك إصرار على أن يلعب السودان دوره كما ما ينبغي ورغم ما يقال ويُسوّق له من أحزاب المعارضة في هذه الأيام والانتخابات الرئاسية والتشريعية على الأبواب..!
لكن، ورغم كل شيء، حضر الرئيس المصري “السيسي” ورئيس الوزراء الإثيوبي “ديسالين” إلى الخرطوم ووقعا مع الرئيس “البشير” على (إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة) الذي شكل إعلامياً لدى البعض بعض المشكلات والعراقيل.. غير أن النظر إلى المصالح والمنافع في نهاية المطاف أولى من غيره.. وبخاصة عندما تلازمه دراسات فنية، فسد النهضة فيه دعم كبير للصناعة والزراعة وحفظ مياه الأمطار من الهدر.. وأهل العلم والخبرة أدرى بطبيعة الحال.
سد النهضة– كما صغناه عنواناً للمشهد السياسي هذا الصباح- هو (مفتاح) للعلاقات والتواصل بين الدول الثلاث (السودان ومصر وإثيوبيا) في أشكاله المختلفة.. وليس أداة لـ(حرب المياه) وكفى كما يشتهي البعض ويعمل من أجله.. والإشارة هنا إلى الدولة العبرية (إسرائيل) التي تريد أن تلعب على ملف المياه وهو بند حيوي، ولا غنى عنه..!
شكراً للسودان.. وللدولتين الموقعتين على إعلان مبادئ سد النهضة.