أبناء (مولانا)… بعض ساسة في ثياب قديسين
بروفايل: عقيل أحمد ناعم
لا يمكن أن نعاملهم إلا بوضعهم الذي نعلمه، فهم جدهم الرسول صلى الله عليه وسلم” هكذا يعلن القيادي السبعيني.. قد يكون من الأيسر لباحث مدقق أن يبحث عن (إبرة) في كومة قش من أن يتجرأ لينقب عن تفاصيل حياة (الستة الأشراف).. وهم لمن لا يعرفهم أبناء السيد “محمد عثمان الميرغني” راعي الطريقة الختمية، ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل).. فالقوم يعيشون من وراء جدر، جدرٌ بعضها حسي إذ إنهم جميعاً لاذوا بالخارج منذ باكر شبابهم بل وطفولتهم، وجدرٌ غالبها معنوي تعلوها قداسة من أثر (النبوة) ويراهم أتباعهم أحفاداً لـ(النبي الكريم محمد) صلى الله عليه وسلم.. هي قداسة تجعل غالب من تحدثه عن أبناء “الميرغني” يحار جواباً ويطلب مهلة للاستئذان من (السادة) حتى يجود عليك ببعض ما تختزنه ذاكرته الهائمة بحب (آل البيت).
(علي).. الزاهد الموصوم بالتمرد
الابن الأكبر للسيد “محمد عثمان الميرغني”، تجاوز الخمسين من عمره، وهو المولود بالخرطوم في 1964م، وارتاد جامعة الخرطوم دارساً للاقتصاد. وهو كحال غالب (المراغنة) في ما يتعلق بالزواج ودورانهم حول فلك الأسرة والالتزام الصارم بعدم الخروج من (الأسوار الميرغنية) فقد تزوج (علي) من ابنة خاله السيد “محمد سر الختم الميرغني”.
يقيم النجل الأكبر لراعي الطريقة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) حالياً بأمريكا، منذ بدايات عهد حكومة الإنقاذ. وأقام السيد “علي” وانطلاقاً من العقلية التجارية لغالب الاتحاديين والسادة المراغنة أعمالاً تجارية ضخمة بالولايات المتحدة الأمريكية، تحفظ غالب من التقيناهم على الكشف عن طبيعة هذه الأعمال، إلا أن أحد القيادات الشابة أبان أن أعماله تتركز على (مولات) تجارية ضخمة بجانب تجارة اللحوم. هذا بخلاف عمله الدعوي الإسلامي في إطار الطريقة الختمية.
يؤكد كثير من قيادات الحزب الاتحادي أن (السيد علي) هو الأشبه بأبيه في الشخصية وطريقة التفكير، بجانب اتصافه بالهدوء الشديد، والاتزان الذي اكتسبه من الطريقة الختمية.
علاقته بالسياسة
قد يكون من البديهي أن نجد للابن الأكبر لزعيم أحد أكبر وأعرق الأحزاب السياسية في السودان اهتماماً بالسياسة إن لم يكن اشتغالاً مباشراً بها. ورغم ان هذا الأمر لا ينطبق على جميع أبناء السيد “محمد عثمان الميرغني” كما سيتضح لاحقاً، إلا أن (علي) عُرف عنه قبل وبعد عهد الإنقاذ بقليل انشغاله بالعمل السياسي المباشر ضمن الحزب الاتحادي، خاصة بعد اعتقال والده لأول عهد الانقلاب، فكان هو المشرف على عملية الاتصال والتواصل بين قيادات وقواعد الحزب، ولكن بعد خروج والده وبدء العمل الخارجي ضد النظام، أدار (السيد علي) ظهره للسياسة، وغادر بعدها إلى بريطانيا، ثم إلى أمريكا التي يستقر بها حتى الآن.
علاقته بأبيه
عادةً عندما تطرح سؤالاً عن علاقة أحد أبناء “الميرغني” بأبيه تأتيك الإجابة دون تردد من القيادات القريبة من “الميرغني” بأن أبناء “الميرغني” من أشد الأبناء ارتباطاً بأبيهم، وأن التزاماً صارماً أشبه بالقانون داخل أسرة “الميرغني” بأن الأبناء لا يخالفون أباهم إطلاقاً، وأن الصغير منهم لا يمكن أن يخالف الكبير، وهذا ما يبدو ظاهراً للعيان بالفعل، لكن أحد قيادات الحزب تحدث لـ(المجهر) ـ مفضلاً حجب اسمه ـ واعتبر أن (السيد علي) هو أفضل أبناء “الميرغني” وأعرفهم بدهاليز السياسة وأقدرهم على التفكير الواعي المستقل عن شخصية والده. ويشير محدّثي إلى أن هذه الصفات أحدثت خلافاً بين علي وأبيه، فدفعت والده إلى تحجيم دوره باعتباره يراه متمرداً عن (العباءة الأبوية) التي يسعى “الميرغني” لتظليل أبنائه بها وجعلهم يتحركون تحتها.
(الحسن).. المنقذ الذي تحول إلى ناصب أعواد المشانق
إن كان مجهولاً قبل سنوات، فإنه لم يظل كذلك مؤخراً في أعقاب اقتحامه العمل السياسي المباشر داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي، حالاً بشكل غير مباشر محل أبيه (مولانا الميرغني)، وتمثلت ذروة ظهور الشاب الأربعيني (محمد الحسن) الابن الثاني من حيث الترتيب العمري للسيد “محمد عثمان الميرغني” في ما ظل مؤخراً يلقي به من حمم على رؤوس مناوئيه داخل الحزب باتخاذه قرارات متسربلة بثوب لجنة حزبية قانونية بفصل عدد من قيادات الحزب التاريخية. وللمفارقة فمن قلب لهم (الحسن) ظهر المجن الآن هم من كانوا بالأمس يتخذونه مخلّصاً ومنقذاً للحزب ولخطه المعارض للنظام الذي عُرف به منذ صبيحة (الإنقاذ)، ولكنهم في خضم تعويلهم على (مولانا الصغير) للوقوف في وجه ما ظلوا يصفونه بـ(ارتماء الاتحادي في أحضان الوطني) مع بدء التفاوض بين الاتحادي والمؤتمر الوطني منذ منتصف العام الماضي على صيغة مشاركة جديدة للاتحادي في الحكومة. في خضم هذا التعويل تفاجأوا بوجه آخر للرجل ميمماً شطر المشاركة في الحكومة بأكثر من ما كانت عليه سابقاً، ولما حاولت القيادات الرافضة للمشاركة التصدي لنجل “الميرغني”، تحول (الحسن) لثائر يقطر بسيفه دماء مناصريه القدامى فطفق ينصب لهم المشانق ويقذف بهم خارج أسوار (حزب أبيه). وبهذا الظهور الجديد لـ(السيد الحسن) وفي ظل تقدم السن بوالده وغيابه المستمر عن متابعة أوضاع الحزب، لا يكاد يشذ رأي اتحادي عن أن (الحسن) هو الخليفة المرجح لوالده، وإن كانت القيادات ذات الصبغة الختمية التي تدين لـ(مولانا) بولاء تطغى عليه القداسة لمن تعتبره (حفيد الرسول الكريم) تتحفظ في أي حديث عن خلافة (مولانا) وتُعلن في شيء من الغضب أو الإشفاق أن السيد “محمد عثمان” لا زال قادراً على قيادة الحزب، وأنه من المبكر الحديث عن خليفته. وإن كانت الترجيحات تشير لخلافة (الحسن) أبيه في الحزب، فإنها تستبعد أن يخلفه في الطريقة، وتضع أحد أبناء “الميرغني” الآخرين في مقام الخلافة الختمية، الأمر الذي يعود بالأذهان لأيام السيد “علي الميرغني” عندما كانت الطريقة مفصولة عن الحزب. هذا باستبعاد عامل الوراثة التي قد تفرض تسنم الابن الأكبر للمواقع، وهو الأمر المستبعد حالياً.
مهندس الطيران شديد الخصومة
(محمد الحسن) مهندس الطيران الذي تلقى دراساته الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية، لم يخالف ما ساد داخل الأسرة صارمة العادات والتقاليد فقد تزوج من شقيقة زوجة أخيه الأكبر (علي) ابنة خاله “محمد سر الختم”. كل من عرفه لا يقول فيه بخلاف ما يقال عن بقية إخوته الخمسة من تدين والتزام بآداب ومعارف الطريقة الختمية، لكن أحد أقرب القيادات إلى الأسرة أضاف إلى هذه الصفات بأن (الحسن) في غاية النظام والدقة والجدية والصرامة، صرامة يرى محدثنا أنها تتمثل في أنه إن خاصم أحداً فإنه يخاصمه بشدة ويصل فيها شأواً بعيداً يجعله ينطلق في علاقته بخصومه من هذه الخصومة الحادة، وبالمقابل فإنه حين يصالح آخرين فإنه يوفي هذه المصالحة حقها تماماً.. أحد المقربين للحسن يستدل على إيغاله في (الخصومة) بحادثة شهدتها إحدى محافل الطريقة الختمية عندما حاول الخليفة الأشهر “عبد المجيد عبد الرحيم” ـ (كعادته) في التبرك بآل الميرغني ـ أن يشرب ما تبقى من ماء بكوب (السيد الحسن) إلا أن نجل “الميرغني” عندما رأى الخليفة يهم بحمل الكوب سارع لأخذه واحتساء كل ما تبقى به من ماء وسط دهشة جميع الحضور ودخول الخليفة في حرج شديد، وللتدليل على جدية (الحسن) وصرامته وحبه لإنجاز أهدافه بأقصر الطرق يكشف القيادي المقرب من الأسرة عن حادثة وقعت خلال مفاوضاته مع قادة المؤتمر الوطني مفادها أنه قال لمحدثه وهو من أبرز قيادات الوطني: (أنا زول سواق طيارة وعندي طريق واضح بمشي فيه فورونا إنتوا عندكم قابلية أننا نشارك معاكم شراكة حقيقية ولّا لا؟).
(عبد الله المحجوب).. وارث الطريقة
هو الابن الثالث للسيد “محمد عثمان الميرغني”، قريب من السياسة في الحزب، لكنه أكثر قرباً للطريقة الختمية وشؤونها وهمومها؛ الأمر الذي يجعله المرشح الأول لخلافة والده في كرسي الطريقة، خاصة وأنه دائماً ما يظهر في رفقة والده في مختلف المناسبات السياسة منها والدينية، لكنه يظهر أكثر في الدينية منها، وينوب عن والده في كثير من المهام والمناسبات الاجتماعية. درس المحجوب الاقتصاد والتجارة بإحدى الجامعات البريطانية، في حين أن دراساته ما قبل الجامعة كانت بالسودان. وهو الآن رئيس مجلس إدارة البنك الإسلامي السوداني، بجانب عضويته هيئة قيادة الحزب الاتحادي (الأصل)، وعضوية لجنة الشباب بالطريقة الختمية. تزوج (المحجوب) على طريقة الأسرة، من إحدى (شريفات) الميرغنية، وهي ابنة الدكتور الجراح “أحمد الميرغني”، شقيقة الناطق الرسمي باسم الحزب “إبراهيم الميرغني”. (المحجوب) مهموم دائماً بأمر الطريقة الختمية وأنشطتها المتعلقة بالإغاثة وجمع الزكاة والصدقات وإقامة الموالد. ليس لديه اهتمام بالرياضة لكنه مهتم بالصيد، ولعل حادثة السلاح الشهيرة بمطار القاهرة تشير لهذه الهواية لدى نجل “الميرغني”، حين تم توقيف حقيبة خاصة بالمحجوب بمطار القاهرة بها أسلحة ثبت لاحقاً أنها أسلحة خاصة بالصيد. على غير ما يبدو من هيئته الصارمة، يكشف أحد شباب الختمية الذين تحدثت إليهم (المجهر) أن (المحجوب) يتسم بقدر من المرح والحرص على ملاطفة من حوله. ويروي أن (المحجوب) عند دخوله أحد الأيام (دار أبوجلابية) ببحري وجد أفراد الحراسة يلعبون (الكوتشينة) فارتبكوا عند دخوله عليهم، فخاطبهم ضاحكاً (عملتوا بيت السيد نادي؟) ثم تركهم وذهب.
(جعفر الصادق)… الذي لم يحتمل القصر
قد يكون (جعفر الصادق) الابن الرابع للميرغني والمتزوج من بنت مرشد الطريقة الختمية بمصر ابن عم (مولانا) السيد “محمد سر الختم الميرغني بن السيد إسماعيل” من أكثر أبنائه الذين وجد الشعب السوداني فرصة للتعرف عليه عن قرب، لتقلده منصب مساعد رئيس الجمهورية، وهو الموقع الذي قد يوفر له أكبر قدر من الاحتكاك مع جموع الشعب وينقله من إطار (الخواص) الذي يدور في فلكه أبناء “الميرغني”. لكن الشاب المولود في 1973م بمدينة سنكات بشرق السودان، والذي قضى مراحله الدراسية بمدارس مصرية بالخرطوم، وانتقل منها إلى لندن لدراسة الاقتصاد والتخطيط وإدارة الأعمال والذي غادر السودان من 1990م وعاد إليه بعد (18) عاماً، لم يحتمل جدران القصر الجمهوري، فظل غائباً عنه، بل وعن السودان كله لفترات طويلة من عمر تقلده للمنصب، ويفسر أحد القيادات الشابة المقربة من بيت “الميرغني” ومن أبنائه والذي تحدث لـ(المجهر) ــ مشدداً على عدم الكشف عن هويته ــ عن أن (جعفر الصادق) تم إجباره على تقلد المنصب وأنه لم يكن يرغب فيه إطلاقاً، وهو مشابه لما أكده القيادي الاتحادي المقرب من (مولانا) “ميرغني مساعد” في حديثه لـ(الجهر) بأن (جعفر) تم إقحامه إقحاماً في العمل السياسي المباشر، ولكن غالب جماهير الختمية رأت فيه الرجل الأنسب للمنصب، واعتبرته جالباً لـ(لبركة) داخل القصر، وهو ما يفسر ما ضجت به مواقع التواصل والمنتديات الخاصة بالختمية من الاحتفاء بدخول الرجل القصر لدرجة أن أحد شباب الختمية احتفل قائلاً (مرحب بولاية سينا “جعفر” فهو أصلاً ولينا دنيا وأخرى وقد ضاقت الأحوال وجاء الغيث بولاية سيدي “جعفر”). لكننا نجد أن (جعفر) هو أحد أبناء “الميرغني” الثلاثة الذين يتبوأون مناصب بالحزب فهو عضو هيئة القيادة، وأوكل له والده قيادة وفد مقدمة الحزب العائدة للبلاد في 2007م . بجانب ذلك فهو من ينوب ـ غالباً ـ عن والده في إلقاء خطاباته الجماهيرية الموجهة لجماهير الحزب والطريقة.
(محمد) … الفتى اللندني
هو خامس أبناء “الميرغني”، غادر السودان إلى لندن عقب (الإنقاذ) مباشرةً، وهو لا زال صغيراً ويكاد لا يعرف عنه شيئاً، درس إدارة الأعمال ببريطانيا ومقيم بلندن، بعيد عن العمل السياسي وعن المناصب بالحزب الاتحادي. المعلومات عنه شحيحة جداً حتى لدى قيادات الحزب والطريقة. لكن أحد القيادات الشابة تجرأ وأشار إلى أن (محمد) هو الوحيد من أبناء “الميرغني” الذي شذ عن إرث المراغنة في الزواج من خارج الأسرة. ولفت إلى أنه تزوج فتاة أهلها من عوام الناس بكسلا لأنها كانت قريبة من والدته وملازمة لها.
(أحمد) … بعضٌ من مهام
هو الابن الأصغر “للميرغني”، وكأخيه الأكبر مباشرة (محمد) ظل (أحمد) مقيماً بلندن لسنوات طويلة جداً تكاد تكون هي غالب عمره إن لم تكن كله. تزوج (أحمد) من ابنة عمه رئيس مجلس رأس الدولة السابق الراحل “أحمد الميرغني”. لكنه كان يعود للسودان لفترات قصيرة، وخلالها كان ينوب عن والده في بعض المهام الاجتماعية المتعلقة في بعضها بتقديم واجب العزاء في بعض الشخصيات العامة إنابة عن (مولانا) وممثلاً للحزب والطريقة، وأشهر هذه المهام هي رحلته إلى ديار كردفان لتقديم العزاء في الشيخ الصوفي ذائع الصيت (عبد الله ود العجوز) وهي الزيارة التي حُظي فيها بترحاب كبير من مريدي “ود العجوز” ومن الجماهير الختمية التي تحتفظ بأنصار كثر في تلك الديار. ليس له أي منصب بالحزب الاتحادي.