تحقيقات

• مدينة "ود الحليو" متلازمة الكوارث (السيول والتردي في الأوضاع البيئية)

•    المياه المتدفقة من بحيرة (نهر سيتيت) تحول عدداً من أحياء مدينة “ود الحليو” إلى بركة من المياه الآسنة
•    مياه البحيرة غمرت أكثر من (540) فداناً من السواقي والجروف
كسلا – ود الحليو
تحقيق – سليمان مختار
ما زالت جروح مدينة “ود الحليو” تنزف وليست هنالك أية محاولات من الجهات المسؤولة بحكومة ولاية كسلا لإيقاف هذا النزيف المستمر الذي طال الخدمات الأساسية كافة التي يحتاجها إنسان المنطقة، زد على ذلك التجاهل و(الطناش) الذي تبديه حكومة ولاية كسلا تجاه التعامل مع الكوارث التي أصبحت تجتاح المنطقة من حين لآخر بفعل العوامل الطبيعية، وآخرها كان غمر (بحيرة سيتيت) لعدد من الأحياء المتاخمة للنهر بعد إغلاق السلطات بإدارة السدود مجرى (نهر سيتيت) وأدت المياه إلى تلوث مياه الشرب التي يعتمد عليها المواطنون من النهر بعد غمر المياه لـ(الخيران) داخل تلك الأحياء حاملة معها كميات كبيرة من بقايا الحيوانات الميتة وروث الحيوانات، ومخلفات الخيران الأمر الذي أدى إلى انتشار الحشرات كالذباب الذي يمرح نهاراً والبعوض يلسع ليلاً، إلى جانب عدم توفر مياه الشرب النقية بعد تعطل أكثر من ثمانية دواكني بالمدينة مما اضطر المواطنون للشرب مباشرة من مياه البرك والخيران والتي أصبحت مصدراً لشرب الحيوان والإنسان.
 (المجهر) سجلت زيارة للمنطقة ووثقت لمعانات المواطنين والمزارعين المتضررين وخرجت بالتالي.
نكبة فوق نكبات:
لم تفق وتتعافى محلية “ود الحليو” من أزمة السيول والكوارث التي اجتاحتها الخريف الماضي ثم ما لبثت أن دخلت في أزمة جديدة نتيجة لغمر مياه بحيرة (نهر سيتيت) واجتياحها لـ(الخيران) والمجاري في أكثر من (18) حياً تقع في الجهة الشرقية المتاخمة للنهر مخلفة تردياً بيئياً مريعاً  انعكست آثاره على قاطني تلك الأحياء.
وخلال تجوالنا داخل الأحياء التقينا بالمواطن “أسامة عباس” الذي روى متأسياً بالغ معاناة مواطني المنطقة من تلك الكارثة وقال: إنها بدأت منذ الخامس والعشرين من شهر (فبراير) الماضي عقب إغلاق مجرى (نهر سيتيت)، مشيراً إلى أن المياه بدأت تتجمع على مقربة من الأحياء متوغلة عبر الخيران والمجاري جارفة معها كميات كبيرة من بقايا جيف الحيوانات النافقة وروث الحيوان، فضلاً عن تشكيلها  لبرك ومستنقعات دائمة أدت بدورها لتوالد البعوض والحشرات والذباب وانتشاره داخل المنازل، فأرقت بذلك مضاجع المواطنين.
تماسيح وثعابين
ولفت “محدثنا” إلى أن مواطني تلك المناطق كانوا يجلبون مياه الشرب مباشرة من النهر، بيد أن المنطقة أصبحت مغمورة بالمياه، حيث لجأ المواطنون للشرب من البرك لتعطل مصادر المياه التي شملت ثمانية دوانكي عجزت السلطات عن إصلاحها، وأشار إلى أن مصدر المياه الوحيد لأغلبية الأحياء أصبح من تلك البرك، وفي حديث مقتضب حمّل ولاية كسلا مسؤولية تردي الأوضاع الصحية وعدم الإسراع في معالجتها، واصفاً بعض الأحياء بالجزر حيث يصعب التواصل بينها نتيجة لارتفاع معدلات تدفق المياه في الخيران.
ونوه “أسامة” إلى أن هنالك مهدداً آخر لحياة المواطنين هو وجود التماسيح والثعابين التي جلبتها المياه قريباً من المنازل.
سواقٍ حزينة
خلال تجوالنا في محلية “ود الحليو” المنكوبة اتجهنا إلى الناحية الجنوبية الشرقية للمنطقة التي تحاذي (نهر سيتيت)، حيث مررنا بقرى (الجيرة ومغاريف وتبوسيب)، إذ كان امتداد المياه التي توسعت رقعتها لمسافة (25) كيلو في محاذاة النهر قد غمرت أكثر من (96) ساقية وجرفت الأشجار المثمرة والخضروات في الجروف التي كانت تمد المنطقة بكميات كبيرة منها مما اضطر أهل المنطقة لجلبها من مدينتي “القضارف” و”كسلا”.
وللوقوف على حجم ضرر المزارعين سجلت (المجهر) زيارة إلى ساقية المزارع “مالك علي الحسن” التي غمرتها المياه تماماً عدا جزء يسير منها لوقوعه في امتداد مرتفع ناحية “الكرب”، وكان العم “مالك” يجلس في ركن قصي من الساقية تحت شجرة علها الوحيدة الناجية من فيضان النهر الهادر.

دون سابق إنذار
سألنا “مالك” عن الأضرار التي لحقت بالساقية التي أصبحت خاوية على عروشها، فرد وهو يقلب كفيه متحسراً على ما انفق فيها خلال هذا الموسم قائلاً وهو لا ينفك يرمق الساقية بنظرات بين الفينة والأخرى: إن أكثر من (45) فداناً مزروعة بالخضروات المختلفة قد جرفتها المياه بعد أن آتت أكلها، إضافة إلى عدد من الأشجار المثمرة بالساقية، وذكر أنه استدان مبالغ كبيرة من تجار السوق انفق جلها في زراعة ساقيته ولا يعرف الآن كيف يسدد تلك الديون.
وعن ما إذا كان قد تم إخطاره من إدارة السدود بالمخاطر الناجمة عن تمدد مياه البحيرة، قال إن ذلك لم يحدث وإنهم تفاجئوا بالمياه دون أي سابق إنذار، مضيفاً أن اللجنة الشعبية للمتأثرين قامت بحصر المتضررين جراء الفيضان ولكنها لم تحرك ساكناً حتى الآن.
ضرر بالغ
وفي الجزء المقابل لساقية العم “مالك” كانت هنالك أكثر من ثلاث سواقي قد غمرتها المياه تماماً التقينا بصاحبها “محمد الحسن البشاري” فقال: الأضرار التي لحقت بساقيته كبيرة جداً وإنه قام باستئجار هاتين الساقيتين من أحد المواطنين، زرع (40) فداناً منها بالخضر والفاكهة وإن المياه غمرت كل هذه المزروعات بما فيها الأشجار المثمرة مثل (الليمون) و(المانجو) وإن خسائره تقدر بمبلغ (60) ألف جنيه.  واستطرد إن المياه المتدفقة في البحيرة غمرت أكثر من (540) فداناً من السواقي والجروف، مشيراً إلى أن هنالك أكثر من (20) كمينة طوب بالشريط المحاذي للنهر دمرتها المياه وكانت بها أكثر من (200) ألف طوبة.
تجاوزات في عملية الحصر
وأثناء تجوالنا تجاذبنا أطراف الحديث مع المواطن “سليمان آدم أبكر” وقد تحدث إلينا نيابة عن مواطني الأحياء الشرقية، مبيناً أن هنالك اختلالات وتجاوزات في عمليات الحصر بالنسبة للمتأثرين، ونوه إلى أن هنالك منازل تم حصرها وأخرى تم استبعادها، رغم أن ما يفصل بينها شارع واحد،  متسائلاً عن ماهية المعايير في الوقت الذي أصبحت فيه المنازل غير المحصورة مهددة بغمرها بالمياه، ولفت إلى أن سوق المدينة أصبح مهدداً بالغرق، مبدياً تخوفه من أن يصبح الجزء الشمالي من السوق عبارة عن جزيرة معزولة خاصة بعد حصر الجزء الشرقي من السوق.
ومضى “سليمان ” بقوله إن مواطني الأحياء التي غمرتها مياه البحيرة (160) أسرة رفضوا تهجيرهم جزئياً إلى المدن السكنية الجديدة، وأرجع عمليات الرفض لعدم اكتمال المباني فيها وانعدام الخدمات الأساسية (المنازل مشيدة من الحديد والفلين)، وانتقد الموقف الذي وصفه بالسلبي لحكومة ولاية كسلا تجاه الأوضاع والكوارث التي ظلت تجتاح المحلية، مضيفاً أن المحلية منسية ومهمشة تماماً من قبل الحكومة رغم أنها تعتبر من أغنى المحليات.
أين تذهب الإيرادات؟؟
يقول الناشط السياسي بالمنطقة “محمد موسى” في حديثه لـ(المجهر) مواطن “ود الحليو” أصبح آخر اهتمامات حكومة ولاية كسلا وإن المحلية تعاني من إهمال متعمد من قبل الحكومة، ولا يتوقف ذلك على هذه الكارثة بل على مستوى الخدمات المختلفة، وزاد: بأن المحلية رغم أنها تتمتع بثروات مهولة في مجال الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، ويوجد بها غربال لتصدير السمسم إلى الخارج مباشرة، ووجود منطقة (حمداييت) التجارية الحدودية مع أثيوبياـ ثم تساءلاً قال: أين تذهب كل هذه الإيرادات؟
إنتاجية مليارية
واستطرد “موسى” مستهجناً: أن المحلية أصبحت مثل البقرة الحلوب لولاية كسلا لأنها تستنزف كل الموارد المالية للمحلية وفي المقابل لا تقوم بتقديم أية خدمات لمواطني المحلية، لافتاً إلى أن (75%) من إيرادات الزكاة بالمحلية تذهب إلى ولاية كسلا، وأن ديوان الزكاة بـ”ود الحليو” قام ببيع كميات من محصول السمسم للموسم الحالي بلغت (12) مليار جنيه، إلى جانب إيرادات أسواق المحاصيل التي بلغت (مليار جنيه)، لافتاً إلى أن جل هذه المبالغ الكبيرة تساهم بها المحلية في خزينة وزارة المالية الولائية دون أي عائد في مجال الخدمات، وشكا من ضعف وقلة الطرق المعبدة بالمحلية وأن الطريق الوحيد الذي يربط المحلية بالطريق القومي لم تتم سفلتته حتى الآن، وأن عمليات الردميات لم تبدأ في الطريق بعد، ما يؤدي لانقطاع المنطقة في فصل الخريف، على أن الخدمة الوحيدة الموجودة بالمحلية هي الكهرباء التي حظيت بها عندما كانت المحلية تتبع إدارياً لولاية “القضارف”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية