ظلال الأزمة
في كل عام يبذل وزير العدل وأعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان جهداً مضنياً ويسهرون ليالي الشتاء القارس في مارس بجنيف، من أجل (تبيض) وجه السودان وتقديم دفوعات تخفف من وطأة هجمات تشنها المنظمات الطوعية على أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.. وتقارير تبثها وكالات ما يشين سمعة البلاد ويجعلها دولة لا تحترم حقوق الإنسان الطبيعية. وقد أفلح وفد السودان خلال الدورة الأخيرة سبتمبر الماضي في الإبقاء على البلاد تحت ولاية الخبير المستقل، وبعد أن كادت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي العودة بالسودان إلى الفصل الرابع من ولاية الخبير المستقل.. وتحقق النجاح حينذاك من خلال جلسات الحوار مع الأوروبيين والأمريكيين بعيداً عن الأضواء ووقف الأفارقة إلى جانب الخرطوم، بينما وقف العرب بعيداً عن المعركة لحسابات خاصة بهم.. حيث تنأى الدول الخليجية عامة عن المعارك في ساحات حقوق الإنسان خوفاً على ثيابها من الآثار الجانبية لتلك المعارك، وتشتري الدول التي تملك المال صمت منظمات حقوق الإنسان عن سوءاتها ومخازيها..التي لا يمكن مقارنتها بما يحدث في السودان.. لكن السودان لا خيل عنده يهديها ولا مال ولا يحسن قادته النطق عند اعتلاء المنابر مما يجر عليه المصائب والمحن.
بعد أيام معدودة من الآن سيجد السلطان “محمد بشارة دوسة” نفسه أمام معركة جديدة في “جنيف”، حيث ينعقد مجلس حقوق الإنسان.. ويواجه الوزير ثلاث قضايا الأولى قضية (تابت) وما أدراك ما تابت والتي تتولى وزرها وتحمل لافتاتها منظمة العفو الدولية، ونجحت المنظمات الغربية في تعبئة الرأي العام هناك.. وتلوح بوادر نقل القضية إلى مجلس الأمن في سياق التصعيد الذي تقوم به منظمة العفو الدولية.. ولكن انتماء وزير العدل “محمد بشارة دوسة” إلى إقليم دارفور ولقبيلة الزغاوة جعل لمنافحته حجة ونجحت الحكومة في مواجهة المنظمات بشاهد من أهل المنطقة التي يدع وجود اغتصاب مارسته القوات الحكومية في (تابت)، عطفاً على وجود د. “معاذ تنقو” وهو خبير في القانون الدولي ومحاضر في الجامعات البريطانية ويحمل الجنسيتين البريطانية والسودانية، وهو من مساليت مدينة “الجنينة” في أقاصي غرب السودان.. والقضية الثانية التي تنتظر وفد الحكومة في “جنيف” هي التعديات على حرية الصحافة واعتقال بعض الناشطين السياسيين في قضايا جنائية.. مثل قضية “فاروق أبو عيسى” و”أمين مكي مدني” و”فرح عقار”، وتبعاً لأهمية قضايا حقوق الإنسان أنشـأ جهاز الأمن والمخابرات إدارة أو فرعاً خاصاً بحقوق الإنسان داخل الجهاز، وانتدب إليه كفاءات قانونية ساهمت بقدر في تخفيف حدة الإدانات على السودان من خلال مشاركات لها في المحافل الدولية.. ويجد وفد السودان مشقة بالغة في تبرير مصادرة الحكومة للصحف وفرض الرقابة عليها.. ولكن للحكومة حجة لا تستخدمها كثيراً وسلاحاً تبرر به ما أقدمت عليه وهو الصراع العسكري ووجود حرب تهدد بإسقاط الحكومة المركزية، وأن حرية الصحافة ستظل محل شد وجذب وتتعرض من حين لآخر للتعدي في ظل الحرب التي تخيم على السودان. وإن كان المجتمع الدولي حريصاً على استقرار الحريات في السودان عليه مساعدة الأطراف المتنازعة للوصول لاتفاق سياسي ينهي الحرب الحالية.
وفي مناخ الحريات تنتقص حريات الشعوب الطبيعية، ومن هنا فإن مهمة السلطان “دوسة” في “جنيف” الأيام القادمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة وربما ساهمت تفاهمات “غندور” في “واشنطن” في تخفيف حدة ما يحدث الأسبوع القادم.