مؤتمر سلفي لـ(آل البيت) ونشاط (إيراني) بالخرطوم.. صدام المذاهب يتجدد
الشيعة.. طردوا من الباب وعادوا عبر الشباك
الخرطوم – الهادي محمد الأمين
صراع محموم وسباق ماراثوني ساخن يجري في جو مكتوم داخل مضمار يضم اثنين من (اللعيبة). ففي وقت قطعت فيه الخرطوم باستحالة عودة المراكز الثقافية الإيرانية لممارسة نشاطها مرة أخرى بعد قرار إغلاقها وطرد طاقمها وتجفيف مصادر التشيّع بالبلاد وسط حفاوة وترحيب كبير من التيارات السلفية بمختلف مدارسها وأجنحتها بجانب قطاع عريض من جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية، فإن إيران التي انحنت للعاصفة في أعقاب القرار السوداني الذي وجد ترحيباً حاراً من قبل دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً لدى السعودية والإمارات، فإن إيران عادت مرة أخرى لممارسة هوايتها في إزعاج الطبقات السلفية والظهور بأثواب جديدة، في محاولة منها لفرض سياستها في المشهد الديني والسياسي بالساحة السودانية رغم قرارات الحظر الرسمية. وحذرت جماعة أنصار السنّة من وجود نشاط سري خطير تقوم به سفارة طهران بالخرطوم، ولفت الرئيس العام للجماعة “إسماعيل عثمان” أنظار المسؤولين لتحركات داخل الخرطوم يقوم بها الشيعة وسط الأحياء السكنية لاستقطاب المواطنين للدخول في المذاهب الشيعية. وأوضح “إسماعيل” خلال حديثه أمام دورة انعقاد مجمع الفقه الإسلامي بالخرطوم (الثلاثاء) الماضي بحضور الرئيس “البشير” أن الشيعة يحاولون الالتفاف حول قرارات الخارجية السودانية بإغلاق المراكز الثقافية التي تنشر الفكر الشيعي والتحايل من خلال عقد فعاليات أيام صحية مجانية تقيمها السفارة الإيرانية بالخرطوم بمناسبة إحياء ذكرى انتصارات الثورة الإسلامية في إيران، ووجود دعاية وإعلانات في الطرقات العامة والشوارع تروج لهذه الاحتفالات بمعاونة شخصيات سودانية تساهم في تسويق نشاط الشيعة.
{ اختطاف الشعار
تجيء هذه التطورات متزامنة مع فعاليات مؤتمر (آل البيت النبوي الشريف ومناقبهم وعلاقة الصحابة بهم وموقف الأمة منهم) الذي أقيم بمبادرة من منظمة (المشكاة) الخيرية وبالتنسيق مع قناتي (طيبة) وأفريقيا الفضائيتين، مع جامعة أفريقيا العالمية التي احتضنت قاعاتها مداولات الجلسات المخصصة للمؤتمر بحضور دعاة سلفيين من خارج السودان يمثلهم من السعودية الدكتور “أحمد الصويان” من منظمة (المنتدى الإسلامي) بالرياض، بجانب “سليمان العودة”، ومن اليمن قادة حزب الرشاد السلفي في مقدمتهم الأمين العام للحزب “محمد موسى العامري” و”حسن محمد شبالة”، ومن موريتانيا “محمد الحسن الددو الشنقيطي” عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومن حزب النور السلفي المصري “محمد يسري إبراهيم”، بمشاركة قيادات الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة ورابطة علماء المسلمين أمثال “الأمين الحاج محمد أحمد” و”علاء الدين الزاكي” و”مدثر أحمد إسماعيل”، بجانب الشخصية صاحبة الامتياز في الترتيب والإعداد للمؤتمر الشيخ “عبد الحي يوسف”. وقالت اللجنة المنظمة للمؤتمر إن هذه الفعالية تأتي تحت رعاية الرئيس “البشير” وشرفها بالحضور عدد من الوزراء والدستوريين بالإضافة إلى مدير الجامعة الدكتور “كمال عبيد”.
{ سحب البساط
والشاهد أن استضافة جامعة أفريقيال العالمية للمؤتمر تحمل العديد من الدلالات والمؤشرات، من بينها أن الجامعة التي كان ينظر إليها بعض دعاة السلفية بأنها حاضنة ومفرخة للفكر الشيعي بالبلاد حينما كان يجلس على إدارتها البروفيسور “حسن مكي” الذي كانت توجه إليه الكثير من سهام النقد باعتبار أن الرجل له ميول وتعاطف مع المذهب الشيعي ومرتبط بعلاقة خاصة بإيران، بجانب فتح الجامعة لبعض مناشط الشيعة- طبقاً- لاتجاهات السلفيين، فجامعة أفريقيا وبعد جهود جبارة داخل وخارج السودان حدثت فيها الكثير من التغييرات والتحولات بعد مغادرة البروف “حسن مكي” ومجيء الدكتور “كمال عبيد” الذي يعدّ من أقرب كوادر الحركة الإسلامية التي لها شبكة علاقات مع أطياف وألوان المجموعات السلفية كافة، ويعد من القيادات الحركية التي تدير ملف التفاوض والتحاور مع التيارات السلفية.. أمّا وجه الغرابة الثاني فهو اختطاف السلفيين لمصطلح (آل البيت) كشعار ارتبط في انطباعات المراقبين بحصريته واحتكاره على الشيعة، لتجيء المجموعات السلفية اليوم وتعمل على فك صك الاحتكار لإسقاط شرعية الشعار من يد الشيعة وحصره في أدبيات وثقافة التيارات السلفية وسحب البساط من الشيعة في محاولة لتجريدهم من أهم الأدوات التي كانوا يستقطبون ويجذبون بها السودانيين، خاصة المحسوبين على الطوائف والطرق الصوفية بخلق علاقة تجمعهم مع أهل السلسلة والقوم أصحاب السجادة الذين تستهويهم وتجذبهم شعارات الاهتمام بـ(آل البيت) كمدخل لاختراق صفوف الطرق الصوفية. ومن المصادفات أن مؤتمر (آل البيت النبوي الشريف) وجد مؤازرة وإسناداً من شخصيات سلفية أخرى ظهرت أسماؤها ضمن المشاركين في الملتقى منهم الرئيس العام لأنصار السنّة “إسماعيل عثمان”، ومن جناح أنصار السنّة (الإصلاح) الذي يقوده شيخ “أبو زيد” يمثل الجماعة “محمد الأمين إسماعيل”، ومن الحركة الإسلامية السودانية البروفيسور “إبراهيم نورين” و”مهدي ساتي”، ومن هيئة علماء السودان أمينها العام “إبراهيم الكاروري”.
{ العودة من جديد
فبسط المجموعات السلفية وسيطرتها على المشهد الدعوي واحتكارها لرسم الخارطة الدينية وتحديد المسار الإسلامي في الساحة السودانية بمعاونة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية في أعقاب طرد الشيعة وإغلاق مراكز انطلاقة نشاطهم بصورة نهائية لا رجعة فيها– على الأقل– في الوقت الراهن من قبل السلطات الحكومية، دفع بالواجهات الشيعية للتحرك في اتجاه موازٍ ومضاد لفرملة الحراك السلفي عبر الظهور في مناسبات منها ما هو سري وفقاً لتحذيرات سابقة كشفها ناشطون سلفيون، ومنها ما هو علني عبّرت عنه لافتات وملصقات تم وضعها بعناية في مواقع اكتظاظ السكان وتجمعات المواطنين تدعوهم لانتهاز فرصة غالية وثمينة للعلاج المجاني الذي تنظمه أسرة السفارة الإيرانية بالخرطوم لقاطني الأحياء السكنية، ولفت الانتباه وجذب الأنظار أن الشيعة يشكلون حضوراً في الميدان ويقدمون الخدمات للمواطنين رغم القرار الرسمي الذي منع وحظر نشاطهم لتأتي تحذيرات سلفية على لسان الرئيس العام لأنصار السنّة “إسماعيل عثمان” مطلقاً صافرة وصيحة للمسؤولين بالدولة بعودة الشيعة مرة أخرى لممارسة نشاطهم وأنهم أخرجوا عبر (الباب) ليأتوا قافزين بـ(الشباك).