من وحي الأخبار

سيد الرايحة

لست في عجب من صفوف الواقفين أمام بوابات اللجان الأجنبية والسودانية الداعية لأصحاب الوظائف والصناعات من أجل الحصول على وظيفة في المهجر، ليس سراً  أو عيباً أن نقر ونعترف بأن الظرف الاقتصادي الخانق والغلاء العام واتساع احتياجات الأسر والعوائل يدفع حتماً من عليهم عب المسؤوليات للبحث عن فرص كسب حلال وعيش طاهر ولو كان الثمن الغربة وشق الديار بحثاً عن مهجر ومقام، يوفر دخلاً أكبر من فارق هوة الحال بين ما هو واقع وهو متاح، ولهذا يبدو منطقياً أن تصطف الصفوف للحصول على وظيفة معلم أو طبيب أو عامل بناء عند شركة أو جهة مقرها بالخارج، وهذا سلوك مشروع وليس من الحكمة استهجانه بل على العكس فإني أدعو السلطات لتيسير إجراءات السفر ما استطاعت وأن تتلطف في ذلك لأنك إن وضعت العراقيل اضطر الناس لسلوك مخاطر أخرى وركبوها، وليس أدل على هذا من ظهور الجنسيات السودانية ضمن أرتال المهاجرين براً وزحفاً تجاه الصحارى بغية الوصول إلى حافة البحر المتوسط لعبوره في مركب أو على متن مجهول إلى أوربا، وهو الفعل الذي كان حصراً على فئة من الأفارقة المهاجرين المجازفين والذين ينضم إلى قائمة الموتى فيهم غرقاً بعض السودانيين وهو ما لم يكن مألوفاً سابقاً أو معروفاً.
نقول في مثلنا العامي إن (سيد الرايحة بفتش خشم البقرة)، وطالما أن الحاجة دفعت معلمين ومؤهلين للبحث عن مصادر كسب بالهجرة فلا بأس، فالمواطن الذي يخرج هذا سيظل ويبقى سودانياً شريفاً ورمزاً لبلده، وسيخوض تجربة قد ينجح فيها فيؤمن مستقبله ومستقبل أبنائه وقد يفشل لا قدر الله وحينها فإن في وطنه متسعاً له  لهذا اعتقد أن المهم في مباحث هذه الظاهرة العمل من جانب كل الجهات على تأمين خروج آمن إلى تلك التجارب، فليس كل من أتى ووضع طاولة في باحة فندق فخيم صاحب عمل وما كل معلن يملك وظائف لطالبيها، ففي مثل هذه الهوجات يتسلل اللصوص والسماسرة وبائعو الوهم وواضعو شباك النصب والاحتيال وهؤلاء أشد بطشاً بظروف الناس من ظرفهم الاقتصادي الذي حملهم على الهجرة. ويجب أن يحاصروا وأن يُساق المضبوطون منهم بالجرم المشهود والمخالفة إلى أشد العقوبات، لأنهم ينهبون بالتخدير وتسويق الأماني مدخرات البسطاء ممن يظنون أن كل ناب لليث ابتسامة من مشفق وصديق.
إن ما يحدث الآن من نزيف بالهجرة بالكفاءات والخبرات يجب أن يكون درساً إن صلح الحال وأقال الله عثرة البلاد وعسرها بفتح من عنده هو ليس بعيد عنه، بأن نحسن التوظيف الأمثل للموارد وأن نتوسع في الإنماء والتطوير لإقامة مجتمع يتجاوز هزات الطارئات وأن نكثر من الحمد والشكر لنعمة الله، فقد أكرمنا المولى حيناً من الوقت بالخيرات والنمو وتحسن الحال ثم ارتددنا الآن لوضع غير مريح، فهل يا ترى جحدنا آنذاك فأرانا الله عاقبة أمرنا ؟ واللهم نسألك ألا نكون من الغافلين ..الجاحدين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية