الزراعة
يجمع الخبراء والمهتمون بشأن الاقتصاد في السودان على أن الزراعة وليس سواها هي ما يمكن أن تحدث الفارق في شكل المعالجة الكلية لحالة الاقتصاد، صحيح أن بقية الجهود ضرورية ومهمة على صعيد بقية الاستدراكات الاقتصادية الداعمة لبرامج الإنقاذ، وهذه مصحوبة مع انفراجات سياسية وحالة الأمن العام بمعنى توقف حالة الاستنزاف التي تخلقها الحروب ولو كانت صغيرة ستؤدي في النهاية لانطلاقة صحيحة وكبرى لاقتصاد يحمل البلاد نحو مراقي الرفاهية والتنمية، لكن يبقى للزراعة دورها والذي أفضل ما فيه أنه نشاط في حالة السودان قد يحقق أفضل المطلوبات بأقل التكاليف. فالمناخ مميز والمياه وفيرة والمساحات ممتدة ولا يبقى إلا بعض ترتيب وتنظيم وثم جهد مضاعف في التسويق لتأتي البشارات.
خريف العام الماضي حقق حصاداً وفق غالب التقارير الرسمية أو الشفاهية من مناطق الإنتاج تقول بالوفرة، وقد برزت لبعض الوقت إشكالية القوى العاملة، حتى أن بعض الولايات اضطرت للجوء لبعض دول الجوار للسماح بدخول عمالة أجنبية بأذونات وتصاريح مرور لأغراض العمل. وهذا يعنى أن البلاد بحاجة لتطوير آليات التخزين وتفعيل أساليب التصدير للخارج، وبالبلاد سلع كثيرة تشكل عماد وقوام الغذاء للناس ناهيك عن سلع أخرى تعد إستراتيجية مثل الصمغ العربي والذي لا يزال إلى اليوم نشاطاً يتسم بالبداوة، ورغم أن الغابات مملوكة للمواطنين في كردفان وبعض دارفور فيما يعرف بموسم (الطلحة)، إلا الشركات والوكلاء هي من تذهب بالثروة وتقف الدولة إزاء هذا عاجزة عن ترتيب هذا القطاع المصنف اقتصادياً ضمن السلع ذات العائد الذهبي. ولا سر إن عرف الناس بالطبع أن الصمغ العربي مستثنى من قائمة المكروهات التي يصدرها السودان، وقد يكون له دوره في التطبيع مع بعض الدول أكثر من المناديب والمبعوثين، ربما لأن المصلحة هنا تجب ما قبلها من تحفظات ومواقف.
وزارة الزراعة تبذل مجهودات مقدرة حالياً، لكنها تحتاج إلى إسناد أعظم من الدولة والحكومة يتجاوز بها محطة الإسناد بالقول والتصريحات والتمنيات، وهي من بعد ذلك بحاجة لتطوير هذا القطاع بالكامل وهذا يلزمها بمبادرات جريئة في الطرح والتجريب والإفادة من دعم البيوتات الاقتصادية من أجل إقامة شراكات كبرى بينها والمزارعين، بما ينجز طفرة في تفعيل التقانات الزراعية الحديثة والعبور بالزراعة إجمالاً من مرحلة النشاط العفوي والاقتصادي البسيط ليكون نشاطاً حديثاً يخرج للناس وضعاً لأنفسهم ينقلهم من خانة (المزارعية) إلى وضعية أصحاب الثراء الحلال والواسع. وفي تقديري أن الأمر يحتاج كذلك لبذل محفزات للشباب لتجريب خوض الاجتهاد في العمل الزراعي كاستثمارات، ويمكن فتح أكثر من قناة ومبادرة في هذا الصدد شريطة أن تكون الضوابط صارمة وتمنح المال ونقد التمويل للأرض والحراثة والحصاد، ولا يكون مالاً سائلاً يتنقل من المصارف إلى جيوب الطالبين فحينها سينتهي ليكون مركبات فارهة أو غير فارهة، وربما مغامرة في جهة أخرى والحديث يطول ويمتد ولنا فيه عودة بمقترحات ومشروعات.