عافية بلد
ظرف طارئ وحادث سير ألحق الأذى ببعض أسرتي ألزمني بدخول مجمع الإصابات والطوارئ بالسلاح الطبي بأم درمان، كنت مهموماً مشوش التفكير، فمثل هذا المصاب يشل عادة الشخص ويربكه، كنت واقعاً بالكامل تحت تأثير الدعاية السالبة بشأن المؤسسات الصحية وخدماتها، ولكن للأمانة وشهادة في عنقي لازمة السداد فإني أعلن ولا أفعل ذلك دعاية أو ترويجاً بقدر ما أنه شهادة لله والحق بأن القوات المسلحة السودانية شيدت صرحاً طبياً عالي المقام، وارف الظلال، زودته بالتقانة وقبل هذا نبل العاملين الذين ينتشرون في مجمع الطوارئ كالفراشات والأزاهير، شباب سوداني في غاية الود والهمة.
يشهد الله أسلمت المصابين للمشفى المطل على حافة النهر ولم احتج بعدها لاستفسار أحد أو الاستعانة بصديق أو معرفة، نظام إداري عالي الدقة، تنظيم في الجلوس والمتابعة، وحيثما اتجهت تجد عوناً وحيثما جلست فإن مسألتك تقضى، لم يكلف الأمر سوى ساعة أو بعض ساعة حتى دخل الاطمئنان قلوبنا، إذ أيقنت أن أهلي بين أيدٍ أمينة ، تجولت صعوداً ونزولاً في المبنى، تركت شواغل مصابي وغصت في استفسارات للحاضرين، كلما التقيت مواطناً وزائراً تلقيت جميل الثناء وناصع التقدير، قلت في نفسي ويحنا كيف لنا بعد هذا أن نشكو هوان أمر الصحة والتطبيب !
ما رأيته بطوارئ السلاح الطبي مفخرة لهذا البلد، وإكرام لشعبه، وإني لأسال نفسي، إن كانت هناك عقول وكوادر سودانية طبية وإدارية تصنع مثل هذا النجاح، فلماذا تتحول بعض المستشفيات الأخرى إلى بؤر من الخراب. وقد نسيت أن أذكر هنا أنى فررت بالمصابين من قسم بمستشفى آخر مدني لن أتردد بعد اليوم في دعم وزير الصحة الولائي “مامون حميدة” من أجل هدمه وليس تجفيفه أو نقله، عكس المكان الذي انتقلت إليه، وهنا ثمة سؤال لازم هل هي الإدارة العسكرية الصارمة والواضحة المعالم أم هو الكادر أم ماذا هناك ؟! وإن كان المستشفى العسكري ينجح هذا النجاح فما هي الوصفة التي قادته لذلك، ولماذا لا تعمم تجربته أو تفوض الجهة التي أسست قواعده لتقدم ذات النجاحات في القطاعات الصحية المدنية ؟
إنني كمواطن أثمن عالياً ما رأيت، فقد عشت تجربة وعاصرت ما (يشهيك المرض)، لتجد العافية عند شباب هم (عافية بلد)، ما تضجر فرد منهم في وجه مريض وما قالوا (لا) لطالب خدمة، يستقبلون مرضاهم عند المدخل ويعكفون عليهم عوناً ومتابعة حتى تمام النجاة والمعافاة. واني كمواطن أقول للفريق أول مهندس “عبد الرحيم محمد” وزير الدفاع الوطني، عرفت فألزم، فقد وفيت وكفيت، وحيا الله القوات المسلحة ونصرها وأعزها وهي تثبت كل يوم أنها حاملة لواء التميز والعطاء النبيل، بوركتم، وبارك الله بكم الوطن.