رواية (الجقور)!!
قضيت ليلة يوم الأربعاء وصباحه في عمليات بحث وتنقيب مستمر على الشبكة العنكبوتية بحثاً عن اسم المسؤول الذي زعم أن الفئران السودانية الأصيلة (الجقور) هي من نخرت جزءاً من جانب الطوار على جسر المنشية، استعنت بمحرك البحث قوقل وتجاوزته إلى تسعة أخرى انتهت بـ(نت مول)، ولم أجد اسماً لمسؤول بعينه تسند إلى فهمه وكسب لسانه من مسؤولي ولاية الخرطوم وعمال الدكتور “عبد الرحمن الخضر”، سياسي أو تنفيذي هندسي رواية (الجقور) تلك، وكل ما سقط بيدي تزامن تصريح للمهندس “طارق شاكر عباس” مدير الإدارة العامة للشؤون الفنية بهيئة الطرق والجسور بولاية الخرطوم حول الوضع الهندسي للجسر وشروحات بشأن ما حدث – وكان شرحاً مفيداً ومختصراً– ثم وفي آخر الحديث وتحت بند (من ناحية أخرى) أو (على صعيد متصل) رواية لآحاد من المواطنين تطوع بعضهم بالقول إن المنطقة تشهد حشوداً للفئران فصارت مثلاً، وألبسها البعض لبوس الرواية الرسمية.
وشخصياً بحثت ولم أجد من يملك دليلاً من جمهور القراء الذين يطالعون هذا الحرف موافاتي على بريدي باسم المسؤول ولن يجد أحد شيئاً! وقد ردني هذا الأمر لحقيقة أن الخزعبلات في هذا البلد صارت ملمحاً يثير الريبة، فقد شاع أمر تلك الفرية حتى غدت خبر عدد يمتنع معه لكثرته تواطؤ على كذب عن محسوس، رغم أن الخبر بنسبته تلك لمسؤول أياً كان اسمه مكذوب بالكامل، وقد تركت جمهرة الغامزين جانب الحكومة أصل المشكل وغاص اسم الجسر في أوحال السخرية الماحقة التي أعترف بأن لبعضها ملاحة ونباهة وإن وجهت إلى غير وجهتها الصحيحة، وبدت وكأنها نهج تحقير وازدراء عليه ظلال سياسية أكثر من كونها مقصداً يعني الإصلاح والسلامة، ذلك أن من يروم إصلاحاً وهدى لا يؤسس منطلقاته على فرية مكذوبة ولو على الشيطان نفسه.
ومما شاع ونشر وانتشر، فمن الواضح أن جهة ما أو صحفياً ممن يسميهم الزميل “عبد العزيز البطل”- الكاتب المقيم بـ(المهجر)– بالخزبعليين قد استعرت في جوانبه نيران الحرص على رواية ذات ضجيج وصخب فأبرز شهادة الشهود من المواطنين عن ظاهرة تكاثر الفئران بحواف جسر المنشية وخلط بين سيئها وضعيفها ورواية المهندس “طارق شاكر” وعلت الخطوط والمانشيتات (الجقورية) على ما سواها من حديث، فتلقى الجمهور الجانب المثير من المسألة وتركوا جانب الرواية الهندسية، ثم سرعان ما انقلبت الكفة ورجحت ليكون “شاكر” هو الراوي والمصرح ومن ثم أعد الرماة على جبل الغرض أقواسهم ونبالهم ورموا بها كامل حكومة ولاية الخرطوم وجسرها وواليها، وتحول الأمر إلى مهرجان من السخرية والتهكم التي كادت أن تنقل الفئران من وضاعة عيشها بين الجحور وأسفل الأرض لتكون رسماً على علم السودان في محل صقر الجديان! وإني أدعو الزميل “البطل” لإضافة خزعبلة (الجقر) لبحثه الممتد عن خزبعلات الصحافة والسياسة في السودان.