تقارير

أسبابه ومسبباته.. طلاب الجامعات يتخلون عن العمل السياسي

تقرير – صلاح حمد مضوي
في اعتراف نادر له ما بعده، كشف الأمين السياسي لطلاب المؤتمر الوطني  “نعمان عبد الحليم” في ندوة عن (التنظيمات الطلابية ودورها في الانتخابات المقبلة)، أوردت خبرها (المجهر) في سياق تغطيتها للندوة التي نظمها أول أمس (الثلاثاء) المركز القومي للإنتاج الإعلامي وهو مركز حكومي، كشف فيه أن (97%) من طلاب (جامعة الخرطوم) غير منتمين سياسياً، بينما الذين ينتمون لتنظيمات سياسية هم فقط (3%) من جملة طلاب الجامعة، وذلك بلا شك مؤشر خطير للخارطة السياسية في البلاد ومستقبلها، لكون طلاب الجامعات هم طليعة الوعي وأساس البناء السياسي للأحزاب السودانية، وهو المكان الذي يتشكل ويكتمل فيه الوعي السياسي حتى أن ثورات التغيير السياسي عادة ما تخرج من رحم هذه الجامعات وبخاصة جامعة الخرطوم.
طلاب الجامعات  يتحدثون:
وفي استطلاع للصحيفة أجرته مع بعض طلاب جامعة الخرطوم أمس (الأربعاء) حول انتمائهم السياسي قبل انطلاقة الانتخابات المزمعة في أبريل القادم، جاءت الحصيلة متباينة في الوقت الذي قالت فيه “علا” الطالبة بالجامعة  إنها لا تنتمي لأي حزب أو تيار سياسي، واعتبرت الأمر مضيعة لوقت الطالب. بينما  قال “مصعب منير بيومي” الذي يدرس بكلية الآداب (أنا انتمي للحزب الشيوعي السوداني وللطالب الأحقية في التيار السياسي الذي سوف يتبعه). أما الطالب “محمود عبد المجيد” من كلية الاقتصاد فقال بأنه ليس لديه ميل سياسي، وأن الجامعات في حاجة لوقفة أخرى وليست للميل السياسي. أما “سامي حسن أحمد “الذي يدرس بكلية الاقتصاد فقال إن الانتماء السياسي للطالب هو أول الحقوق، إلا أنه شخصياً لا ينتمي لأي تنظيم سياسي، حيث يعتبر الدراسة الأهم بالنسبة له من السياسة. أما “خطاب التوم” الذي الطالب بكلية العلوم الرياضية فيقول إنه ليس لديه ميول سياسية تجاه أي حزب من الأحزاب، مع تأييده المطلق للطالب في حرية اختياره السياسي، ولكنه يرى أن الأهم بالنسبة له في هذا الوقت هو التحصيل العلمي حتى لا يضيع مستقبل الطالب جراء ما يجري من أحداث داخل الجامعات. ويضيف: (يمكن أن يفصل طالب  الجامعة جراء انتمائه السياسي أحياناً، وهنا يفقد الطالب الزمن الذي هو في  أمس الحاجة له لا سيما أن العامل الاقتصادي وراء كل هذه الأحداث). وفي جامعة السودان قال الطالب “أيمن أمين علي” إنه لا علاقة له بالسياسة، حيث يأتي كما يقول التحصيل العلمي في أولى اهتماماته، أما” مازن عوض عباس” فيرى أن الانتماء السياسي لا يوصل إلا إلى طريق مسدود، ويعتبره مضيعة للوقت. ويختم حديثه بالقول: (أنا لا أنتمي لأي تنظيم  سياسي).
ضعف التنظيمات السياسية:
يقول “متوكل مبارك” وهو كادر سياسي سابق بجامعة الخرطوم، إن السياسة في الجامعات أصبحت منفرة للطلاب لأن أركان النقاش أصبحت (للهتر) فقط، كما أن الطرح السياسي غاب عن المنابر الطلابية، وبالنسبة لجامعة الخرطوم نجد أن طلاب الجامعة في الغالب هم المميزون أكاديمياً وأصحاب الدرجات العليا في الشهادة السودانية، وهم ينظرون إلى الانتماء السياسي باعتباره أضحى خصماً على الطلاب من رصيدهم الأكاديمي، ويرى أن ابتعاد الطلاب عن السياسة سببه الرئيس ضعف التنظيمات الطلابية في الطرح المقنع، وذلك لانفصال كثير من التنظيمات عن خطها العام كما يقول، ويضرب مثلاً بأحزاب طلابية معارضة، بينما تجد أن حزبها السياسي مشارك في السلطة، لافتاً إلى أن جامعة الخرطوم ظل الصراع فيها دوماً بين (الإسلاميين) و(اليساريين). ويرى كذلك أن ظاهرة ابتعاد الطلاب عن السياسة ليست بجديدة على جامعة الخرطوم وبقية الجامعات السودانية. ويضيف:(على سبيل المثال تجد أن الأعوام المنصرمة منذ (2005) لم يبلغ نصاب اتحاد الطلاب نسبة (51%) لأكثر من مرة، بالإضافة لذلك فإن التصور المسبق  الذي يأتي به الطلاب للجامعات هو أن الانتماء للأحزاب السياسية مضيعة للوقت، وهو الأمر الذي كان له أبلغ الأثر، كما أن الضغط الأكاديمي للطلاب هو من الأسباب التي دفعت بالطلاب للابتعاد عن السياسة، كما لعب دخول وسائط التواصل الاجتماعي مثل (الواتس آب) و(الفيس بوك) دوراً في عدم اكتراث هؤلاء الطلاب بالتنظيمات السياسية التي تحاول جذبهم إليها).
تجفيف منابع الوعي عمداً:
من جهته يرى الناطق الرسمي لـ(حزب البعث العربي الاشتراكي) “محمد ضياء الدين” أن هنالك تراجعاً كبيراً في العمل السياسي في الجامعات بسبب ما قامت به عناصر المؤتمر الوطني من ممارسات كان لها أبلغ الأثر، مما حدا بالطلاب الإحجام عن العمل السياسي للدرحة التي جعلت أولياء الأمور الأكثر حرصاً على عدم ممارسة أبنائهم للعمل السياسي، وأصبح هذا الأمر مخيفاً لهم، توقع أعمال العنف بات سائداً، كما أن المخطط له كان تجفيف منابع الوعي بشكل كبير، والعزوف عن العمل السياسي طبيعي في ظل ممارسات عنف على الطلاب، أيضاً تلاحظ أن سن الطالب باتت صغيرة، ويضيف نعم هنالك عزوف ولكن النخبة من هؤلاء الطلاب ارتضوا الانتماء السياسي وتحمل تبعاته، ما يحدث في الجامعات أكيد يضعف العمل السياسي وبالتالي يضعف البلاد، والنتائج يمكن رؤيتها بشكل واضح.
حجج واهية:
وفي السياق يرى أحد الكوادر (الإسلامية) التي مارست العمل التنظيمي والخطابي داخل الجامعة أنه لا يتفق مع من يحمل الحزب الحاكم مسؤولية ضعف العمل السياسي، وتخلى الطلاب عن الانتماء للأحزاب والتنظيمات السياسية. ويرى أن ضعف الطرح السياسي للأحزاب السودانية هو السبب الرئيس في عزوف الطلاب عن المشاركة السياسية أو الانضمام لهذه الأحزاب، بسبب ضعف طرحها الفكري والسياسي. ويرى أن من يقول إن الحزب الحاكم هو من أضعف هذه الأحزاب، يعتبر ذلك حجة عليه لأن الحزب الذي تضعفه سلطة هو بالأساس حزب ضعيف، لا يستطيع جذب الطلاب لقوة أفكاره أو مواقفه القوية أو طرحه السياسي الذي يجذب الطلاب حتى لو كان هذا الحزب يعمل تحت الأرض.
مستقبل مظلم:
وما بين تحميل الحزب الحاكم لمسؤولية ما جرى للعمل السياسي وإضعافه داخل الجامعات، حتى انصرف الطلاب عن الانتماء السياسي والاهتمام بالسياسة، ومدافعة الوطني، محملاً الأحزاب نفسها مسؤولية ما جرى. يرى مراقبون أن هذا الواقع الجديد الذي تكشف الآن هو أمر غير جيد ويضر بمستقبل البلاد السياسي، ويضرها بشكل كامل، لأن العمل السياسي داخل الجامعات هو دليل صحة، وقوة وعادة ما يفرز نتائج إيجابية تؤثر على مستقبل البلاد وخياراتها في المستقبل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية