الحاج عطاء المنان.. هدنة القادر!!
بقلم – عادل عبده
الباشمهندس “الحاج عطا المنان” القيادي بالمؤتمر الوطني كان يحوز دون سائر قيادات الحزب الحاكم على التكاليف الصعبة والمهمات الجسيمة، فقد ظل الرجل يجلس على واجهة العواصف والغليان ويتخطى متاريس الدخان الحارقة، ويتحمل المناخات القاسية والامتحانات العسيرة، ولم ينل “الحاج عطا المنان” في بلاط السلطة الجناح الظليل والمقاعد الرطبة، والتاريخ المعاصر يؤكد دوره المتعاظم في منطقة الاحتقانات الغليظة عندما كان محافظاً لمحافظة نيالا ثم والياً لجنوب دارفور، فقد سكب جهداً عاتياً وحراكاً كثيفاً لإطفاء الحرائق وتفكيك الرعب وبسط السلامة وصولاً إلى قيامه بوضع اللبنات الأساسية للتفاوض مع الحركات الدارفوية المسلحة في تلك الفترة العصيبة، وبذات القدر عندما قررت الإنقاذ محاورة المعارضة الشمالية ممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي اصطدمت بنهج مولانا “محمد عثمان الميرغني” الغارق في التمهل والإطالة حول حسم الأمور لم تجد غير “الحاج عطا المنان” للقيام بتلك المهمة المعقدة، حيث أنجز الرجل اتفاق (جدة الإطاري) الذي فتح الطريق لمشاركة (الاتحادي الديمقراطي الأصل) في قطار السلطة بعد ذلك.
في المشهد السريالي يوجد انكباب “الحاج عطا المنان” في تأسيس وزارة المالية بولاية الخرطوم زمن العُسر انتهاءً بموافقته على رئاسته نادي (الهلال) في إطار التصدي للمسؤولية الوطنية التي أحكمت التلاقح المتين بين الرياضة والمجتمع.
الآن يفجر “الحاج عطا المنان” قنبلة هيدروجينية في الساحة السودانية بإعلانه الزهد في المناصب السياسية والتشريعية بعد رحلة طويلة في حقل التكاليف العامة، وهو يقول من يقضي تجربة فيها كثير من النجاحات يجب أن يعتزل في مجده!! بل يطبق تلك الإشارات الواضحة بالفعل عندما يتنازل عن ترشيح نفسه في دائرة (الكلاكلات) خلال الانتخابات المرتقبة، مبيناً بأنه يريد إفساح المجال لغيره بعد أن مثل الدائرة مرتين على النطاق الولائي والقومي.. خطوة “الحاج” كبسولة عاتية من الزهد والإثار تفجر ظلامات القابضين على حب السلطة والكراسي من منطلق البريق واللمعان.
ربما نظر “الحاج عطا المنان” من نافذة الذات، حيث التقط قوة عنفوانه على صعيد الإنجازات التي كسرت السياج، فقرر أن يستريح قليلاً مثلما تفعل أمواج النيلين “الأزرق” و”الأبيض” في مسيرتهما الطويلة، حيث يرتاحان عند المقرن، ثم تتجدد مسيرة نيلية جديدة مندفعة نحو المصب.
تركيبة “الحاج عطا المنان” النفسية والحركية والبيولوجية قد لا تسمح له بأن يكون في الظل بعيداً عن ميادين السياسة والتطورات العاتية التي تمر على البلاد، وربما يكون قراره الآن في الزهد والابتعاد مبنياً على تفاعلات الدواخل التي تتصاعد بأفعال الذين يفرقون بين حملة العطاء للطاقم الأعلى، حيث نجد هؤلاء في كل زمان ومكان.. لكن يبقى أن “الحاج” ملتزم بشكل لا يقبل القسمة على تلبية النداء مهما كانت التحديات والمناخات القاسية بحسب ما أشار إلى ذلك على المستوى الشخصي، ومن هذا المنطلق ربما يكون قرار الرجل في الزهد في السلطة الذي انداح الآن يمثل هدنة القادر على العطاء والبذل عندما تأتي الملمات والبلايا.
العنفوان والرياح الكثيفة تكون عاتية وجبارة في مرحلة الانطلاق والسير التلقائي، ثم تتحول إلى هدنة مؤقتة على طريق الزحف الجبار إلى النهائيات.
أغلب الظن أن “الحاج عطا المنان” يمر بهدنة ثم ينطلق في العطاء من جديد، وأن استقالته وزهده تكتسب حالة المحطة المؤقتة، فالرجل لا يستطيع التخلي عن الواجبات الكبيرة فالحوت لا يمكن أن يفارق الماء.