من وحي الأخبار

خمشة

صدر تقرير المراجع العام السنوي وأتوقع أن يكون قبلة الشراح والمعلقين في الصحف أو المجالس العامة، وسينتقل الأمر حتماً ليكون ركناً ركيناً في أدبيات المعارضة وسيتمدد، بالإضافة والحواشي ثم المتون ليكون حالة من الهياج ضد ممن يوصفون بالمعتدين على المال العام، ورغم أن التقرير سنوي ويصدر بشكل راتب ويعرض أمام البرلمان، فإنه لا يزال عملاً تتكرر فيه ذات العناوين الموسمية وإن اختلفت النسب وتقدمت مؤسسات وتأخرت أخرى، وقد يتبدل اسم المراجع أو لا يتبدل، لكن السمة العامة التشابه في القول والمنصة وشكل الردود.
وابتداء يجب الإقرار بأن مجرد الحرص على عرض التقرير على الملأ وفي البرلمان وتحت أنف الصحافة والإعلام توجه جيد ومؤشر ايجابي يجب أن يجد التقدير، لو كان الأمر به شبه محاباة أو تلوين لما تم السماح بذلك كان يمكن للمراجع العام أن يمرر وريقاته (من سكات) إلى أية جهة ويتم التعامل أولاً وفقاً لتقديرات الحكومة، ولكن هذا لم يحدث ونثرت الأرقام بالفواصل العشرية والنسب بل وأسماء المؤسسات التي طالت حتى سفارات وسفراء بالخارج، ولهذا من المهم النظر إلى تلك النقطة للقول بأن خطوة الإعلان والإشهار نفسها خطوة ايجابية، ولكن يبقى بعدها العلاج والذي أعتقد أن به خللاً بدلالة أن الخروقات تتكرر وقد تزيد ولا تنقص وهذه مذمة يجب أن تستدرك وسبيل ذلك واحد فقط ومعلوم وهي أن يحاسب المعتدون أو المقصرون أو المهملون ولكل توصيف حالة، فما كل اعتداء على المال هو تعبير دقيق عن الواقع، فبعض المال يهدر ويضيع لا أقول بحسن نية، ولكن بسوء تصرف غير مشمول بمعنى اللصوصية البحتة.
في بلد أفريقي مجاور تورط مسؤول رفيع بالجمارك فيما عدته السلطات هناك عمل فساد واضح، أوقف الرجل وأخضع للتحقيق ثم قدم لمحاكمة نقلتها المحطات التلفازية هناك والإذاعات، وتحولت المحاكمة لفعل إدانة يومي، ومما لا شك فيه أن ذاك العمل ردع أطراف أخرى ربما كانت تلحق بالرجل في قطار الفساد، لان بعد ما حدث مع صاحبهم فإن أي فرد منهم سيفكر مائة مرة قبل أن يتقدم لنيل (خمشة) من مال البلد أو الدولة وهذا لا يحدث هنا في السودان، إذ عادة يتقدم المراجع بإيراد كتلة المال المعتدى عليه ويسمى مؤسسات ربما، لكن عادة لا يرى الناس جناة قد تحاكموا.
طالما أن هناك عدواناً على مال الشعب ومقدرات البلاد ومثلما أن نسبة المفقود تذكر، فما المانع من الكشف عن الجناة، بالاسم والصورة، إن كانت العقوبات توقع سراً وستراً، فما الضمان أن البعض يسرق ثم لا يتردد في التكرار واحتراف الممارسة طالما أنها ستتحول إلى محاكمة صامتة قد تنتهي في أحسن الأحوال بأمر نقل أو إعفاء يسوقه الجاني للمجتمع بأنه قد تقاعد أو قد يتحول إلى بطل حينما يزعم أن (الناس ديل فاسدين ورفضت فسادهم فأعفوني)!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية