من وحي الأخبار

الكشة

منذ سنوات أسمع وأقرأ عن مهلة سلطات وزارة الداخلية الخاصة بتقنين الوضع الهجري للأجانب المنتشرين على الأراضي السودانية   بصورة غير مشروعة، سواء عبر القادمين من دول الجوار تسللاً لسبب أو لآخر إلى جانب بعض الذين يدخلون البلاد من باب (الزيارة) ثم يبقون بلا مرجعية إثبات أو تسجيل لدى جهة، ليظل هذا الأجنبي (شبحاً) يقاسم المواطنين معاشهم وسكنهم ولا وجود له في دفاتر السلطات. ولا أزال عند موقفي القديم بأن تتلطف السلطات والجهات الناشطة في هذه المسألة مع إيماننا بضرورات الضبط وتوفيق الأوضاع، لأن ما يجري بالسودان من تدفق أميز ما فيه أنه بكل ما جانبه  من خير وشر طبع أولئك القادمون ووسمهم بوسمه وسمته.
الحملة وفق ما علمت ودققت تستهدف أصلاً الوجود غير الشرعي وغير المقنن، وقد شرح الناس كثيراً وتداولوا أمر هذه المسألة التي اعتقد أن أبرز نقاط ضعفها القصور في الشراكة مع الإعلام، فوزارة الداخلية تتعامل معه وفق نظرية الانضباط العسكري الصارم، ومفوضية اللاجئين تعمل بمبدأ قضاء الحوائج بالكتمان، والأمم المتحدة ومفوضية لاجئيها لا تنظر للأمر إلا من خانة حجم الضرر والإحراج الذي قد يسببه للحكومة بالخرطوم.
الأمم المتحدة التي تحشر أنفها في كل معسكرات اللاجئين السودانيين بتشاد بشكل يجعل بعض مؤسساتها (بلا شغلة)، إلا رصد الإحصائيات عن السودانيين وأوضاعهم ثم جر رقبة الخرطوم إلى حبال المشنقة، هي ذاتها المنظمة الغائبة تماماً والبعيدة للغاية عن تفقد اللاجئين الذين يستضيفهم السودان في حدوده الشرقية تحديداً.
  والسودان الذي ظل لمدة أربعين عاماً يأوي ألوفاً بل ملايين اللاجئين يقتسم مع ضيوفه الأمن والغذاء والدواء والمسكن والمرارات وكل يجمع أخاً بأخيه. وتنهض مفوضية اللاجئين (السودانية) بواجبها تماماً، ومكتب على واجهة شارع الصحافة شرق بالقرب من (المغتربين) يقف وحده على كرم هذه البلاد التي يتحول حتى موظفيها إلى رمز من التفاني والبذل، في مكاتب عتيقة تذكرك أحياناً بثكنات الجيش لجفافها، ومبنى يعجب المرء أن بداخله موظفون يخدمون أناساً يفترض أن الأمم المتحدة ترعاهم وتبذل عليهم الحماية، بذل كريم وفاء السودانيين لضيوفهم  ظاهر والأمم المتحدة غائبة ولا ترى ولا تسمع !
من حق الدولة أن تضبط الوجود الأجنبي هذه (مافي اتنين تلاتة) ولكن لتعقيدات هذا الملف وتداخلاته والمطلوبات الثقيلة التي يتطلبها الأمر، فمن الأفضل إدارة حوار أكثر عمقاً للخروج بمقترحات موضوعية تتجاوز شكل الحملات والمطاردات في الشوارع والتي تفرز عادة جوانب سلبية تستغل من بعض ضعاف النفوس، وتوقع ظلامات ومرارات في النفوس لا تزول وهو الجانب للأسف الذي يهمل عادة في كل حملة، ثمة ظلم بشع يطال البعض لمجرد أنهم أجانب، إذ يشتمون ويساقون كالأنعام وقد يضربون ويصعب الوصول إلى أي صيغة لتقديم العون لهم وهذا خطأ وعمل غير لائق، وأسمعونا مرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية