الناطق باسم الجبهة الثورية "التوم هجو" في إفادات من "أديس أبابا":
هنالك وسائل للوصول إلى الحوار في الخرطوم ولا يمكن أن نذهب ببساط الريح
الحكومة عليها أن تقتنع أنه ليس هنالك خيارات.. ونحن مع الحل بالتي هي أحسن
لا نحتاج إلى ضمانات إذا وضعنا في “أديس أبابا” أسس وشروط الحوار القومي في الداخل
علاقتي مع مولانا “الميرغني” لم تتأثر لأنها مربوطة بالأدب الصوفي ولن تنقطع اتصالاتي معه
حاوره من أديس أبابا – طلال إسماعيل
في فندق (رديسون) بالعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” يتحرك المتحدث باسم الجبهة الثورية “التوم هجو” بنشاط وحيوية لكل من يراقب مشهد الفرقاء السودانيين الباحثين عن السلام وإيجاد حلول لأزمات السودان. اقتربت منه ألقيت عليه تحية السلام وطلبت منه الحوار، وافق الرجل وهو من مواليد ديم المشايخة وتلقى تعليمه في عمارة الشيخ “هجو” ولندن وبغداد لفترة قليلة والولايات المتحدة الأمريكية، ويفتخر بعمله السياسي منذ 1974م في مشوار نضاله الوطني ويراها مسيرته التعليمية بعد أن عمل مع الشريف “حسين الهندي” وفي مرحلة (التجمع الوطني الديمقراطي) مع مولانا “محمد عثمان الميرغني” والإمام “الصادق المهدي” ود. “جون قرنق”.
{ مرحباً بك في العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، لماذا كل هذا الحشد السياسي لأحزاب المعارضة والحركات المسلحة؟
– شكراً جزيلاً صحيفة (المجهر السياسي)، هذا الحشد السياسي شيء طبيعي ويدل على تشوق الشعب السوداني كله للحل السياسي ورفع المعاناة التي يعيشها المواطن السوداني، وكل الذين أتوا إلى “أديس أبابا” جاءوا من تلقاء أنفسهم لأنهم شعروا فعلاً أن هذه قضيتهم ويتم نقاشها لتحديد مصيرهم، لذلك أعتقد أن هذا الحضور الكبير للقوى السياسية شيء طبيعي جداً، وبعد طول المعاناة وتذبذب المواقف والإحباطات فهذا الحشد أعتقد أنه دليل على أن الشعب السوداني يريد حلاً ويريد سلاماً، وبنفس القدر الجبهة الثورية تريد حلاً وتريد سلاماً لأنك تلاحظ أن أقل وجود سياسي هو للحكومة وللمؤتمر الوطني، وهذا شيء طبيعي طبيعي جداً وإيجابي، وهذه الرسالة ينبغي أن تصل إلى الحكومة وهي أن الشعب السوداني قد ضاق به الحال ووصل إلى الحد وقدومهم إن دل إنما يدل على هذا الإحساس والشعور وحرصهم الشديد على أن نصل إلى حل سياسي شامل، ونحن معهم لننهي معاناة البلد في الاحتراب والاقتتال.
{ لكن المفاوضات في “أديس أبابا” تصطدم بصخرة عدم تحديد الأجندة واختلاف وفود الحكومة من جهة وقطاع الشمال وحركات دارفور من جهة أخرى؟
– نحن لم نفقد الأمل أصلاً، لكن كلامك صحيح، والحكومة تصر على مواقف مضى عليها (4) شهور وتصر على اتفاقية الدوحة التي تم التوقيع عليها قبل سنوات، هذا يدل على عدم الجدية لأن الحلول المايعة ليست من المنطقتين – النيل الأزرق وجنوب كردفان – أو الثلاث مناطق أو دارفور، وقبل ذلك كان هنالك جنوب السودان وكانت هنالك معارضة موحدة في (التجمع الوطني الديمقراطي)، وسلكت الحكومة نفس هذا السلوك وفتتت التجمع في (4) منابر تفاوضية شملت “نيفاشا” و”القاهرة” و”أبوجا” و”أسمرا”، وكانت النتيجة هي حصاد الهشيم الذي نعيشه الآن، والحكومة ما زالت في نفس ذلك المربع، ولكن الجبهة الثورية والشعب السوداني الذي رأيت تدافعه إلى “أديس أبابا” يريدون حلاً ولكنه لن يكون بالتجزئة، وعملية السلام في مسارين والخلافات دي توضح أن الحكومة ما زالت في المربع الأول ولم تتعظ من تجارب الماضي المرير وليس لديها إحساس حتى هذه اللحظة بمعاناة المواطن السوداني، وتصر على أن تكرر الماضي وأن تفسر الماء بعد الجهد بالماء، وهذا لن يحدث.
{ على ماذا تقوم رؤية الحل السياسي الشامل للجبهة الثورية؟
– الرؤية واضحة في الجبهة الثورية والحل السياسي الشامل لا يصبح عنواناً والطريق له واضح جدًا جداً، ولا يمكن أن يكون هنالك حوار مع استمرار القتال وانطلاق الرصاص وموت الناس ليل نهار، إذن الخطوة الأولى إيقاف صوت البندقية عشان الناس تستطيع أن تستمع إلى أصواتها، والصوت المسموع الآن هو صوت البندقية فقط، والخطوة الثانية هي أن تغيث ضحايا البندقية الذين ظلوا على مدار (25) عاماً يعيشون هذه المأساة ويعشيون في المعسكرات، والخطوة الثالثة هي أن نأتي سوياً في الحركات المسلحة والقوى السياسية لكي نتفق على آلية للحوار وخريطة طريق للحوار السياسي، نحن بالنسبة لنا واضحة تماماً.
{ وفدا الحكومة للتفاوض مع قطاع الشمال وحركات دارفور يلتزمان بالتفويض والمرجعيات لحل مشاكل النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور؟ وترى أن الحل السياسي الشامل لابد أن يكون في الخرطوم؟
– نحن لا نختلف حول الخرطوم، لكن هل الخرطوم التي أتيت منها الآن هل تستطيع أن ترجع لها على طول؟ هنالك وسائل موصلات جئت بها أنت إلى هنا، ركبت عربية وركبت طيارة، هنالك وسائل للوصول إلى الخرطوم ولا يمكن أن نذهب إليها ببساط الريح، وحقيقة الحكومة لا ترى أي شيء، ولا ترى غير مصلحتها ولا ترى غير تمسكها بكراسي السلطة، وما لم يتغير هذا المفهوم لن يكون هنالك حل سياسي شامل، ولن تنتهي مأساة الشعب السوداني، وعلى الشعب السوداني بعد هذا أن يأخذ أمره بيده.
# مقاطعاً له: ماذا تريد من الحكومة أن تفعل لكم؟
– الحكومة منذ الأول وافقت على مسألة إعلان المبادئ، وعليها أن تقتنع أن مرحلة التكتيكات قد انتهت ومرحلة الإمساك بزمام السلطة قد انتهى، والحكومة عليها أن تكون جادة وتأتي لتتفاوض، والحكومة أمام خيارين إما الحل بالتي هي (أحسن) أو الحل بالتي هي (أخشن)، والحكومة عليها أن تقتنع أنه ليس هنالك خيارات ونحن مع الحل بالتي هي أحسن، ولكن هذا لا يعني أننا نتنازل عن وطننا وعن قضيتنا وإذا طلبت الحكومة بالتي هي (أخشن) هي التي ستدفع الثمن.
# مقاطعاً له: لكن الحكومة تريد وقف العدائيات ووقف إطلاق النار الشامل، والحركات هي التي تتعنت في جولات التفاوض.؟
– الحكومة لا تريد ذلك، ونحن ثبتنا ذلك في (إعلان باريس) وأوقفنا العدائيات من طرف واحد لمدة شهرين، الحكومة تريد منا أن نضع البندقية ومن بعد ذلك نتفاوض وعلى مدى الـ (25) عاماً كل الشعب السوداني يعلم أن الحكومة لا تختشي ولا تحترم إلا هذه البندقية، البندقية رُفعت من أجل قضية وقضايا وإن لم تُحل هذه القضايا يبقى هذا هو الخيار الوحيد للمظلومين من أبناء الشعب السوداني أن يتمسكوا ببندقيتهم حتى ينالوا حقوقهم.
# مقاطعاً له: لكن الجبهة الثورية ترفض الحوار الوطني داخل الخرطوم للوصول إلى تسوية سياسية وتصرون على الحرب على الرغم من الضمانات التي منحها لكم رئيس الجمهورية “عمر البشير” للمشاركة في الحوار الداخلي؟
– أولاً نحن موجودون في كل السودان ولا نطلب ضماناً لأنفسنا ونطلب الضمان لأبناء الشعب السوداني كله، لأن الشعب في سجن كبير محروم من حرياته واستقراره، نحن موجودون داخل السودان ولا نطلب ضمانات، وهذا الحوار لن ندخل فيه إذا لم نضمن حقوق الشعب السوداني وضمانات لأبناء الشعب في حريتهم وكرامتهم وسلامتهم، وهذا غير متوفر، وثانياً هذا الحوار لا يمكن أن تكون فيه أنت الخصم والعدل، ولا يمكن أن تكون المشكلة وحل المشكلة، هذا الحوار الذين يقودونه هم سبب المشكلة والذي يرأسه بأكثر من طاقية مرة بطاقية المؤتمر الوطني ومرة أخرى بطاقية السلطة، هذا الحوار جمعت له (86) حزباً اتحدى أي زول يعد لي (30) حزباً من المشاركة في عملية الحوار، ونحن نعتقد أن هذا عبث بالقضية الوطنية، وعبث بمستقبل الشعب السوداني وبمصير البلد بعد مأساة انفصال الجنوب، ونحن مع الحوار الجاد الذي تتساوى فيه كل الأحزاب والذي يدار إدارة مستقلة، وهذا حوار مفبرك، والإنقاذ منذ قيامها عملت العديد من الحوارات، الحوار القومي أين هو؟، حوار كنانة أين هو؟ فهذا ليس حوار لأنه تم إعداد مسرحه وإعداد المشاركين فيه وأعِدَّت أهدافه ونحن ليس سُذجاً لنشارك في مسرحية سيئة الإخراج بهذا الشكل.
{ ألا تعتقد أن هذا الحوار في الخرطوم سينقلنا الى فترة انتقالية وتشكيل حكومة قومية ليستجيب لبعض مطالب المعارضة؟.
– الحوار الجاد والحوار الصادق والحوار الجوهري هذا ما نرجوه وهذا ما وضعناه في خارطة الطريق وهذا ما تضمنه القرار ()456 الصادر من الاتحاد الأفريقي، ولابد أن يكون هنالك حوار تمهيدي ظل مظلة الاتحاد الأفريقي في “أديس أبابا” من أجل وضع أسس وشروط الحوار القومي في الداخل، وإذا تم ذلك فليس هنالك حاجة لضمانات، وأرى أن المنطق المعوج أن يأتي حملة السلاح ليحاوروا وإذا لم يتفقوا يرجعوا مرة أخرى، لا، نحن لن نكرر مثل هذه التجارب.
# مقاطعاً له: ما هي الأسس التي تطرحها الجبهة الثورية للحوار؟
– الأسس سيتفق عليها الجميع، نحن في مرحلة المبدأ والحكومة رافضة خطوتين تؤدي إلى الخطوة الثالثة، وهما الاتفاق في المسارين على وقف الحرب والقضايا الإنسانية ومن حيث المبدأ نتفق عليه ثم نأتي من بعد ذلك للأسس.
{ الحكومة تريد وقف العدائيات وأنتم تطالبون بحل شامل في التفاوض؟
– لا، لا، الحكومة تريد تسليم السلاح، والحكومة تريد إلغاء السلاح ولا تريد وقف العدائيات لأن وقف العدائيات يمكن أن يتم اليوم، وعدم الجدية واضح، أول حاجة الوفود في المسارين تحولت من وفود سياسية إلى وفود أمنية.
# مقاطعا له: لأن هذا ما يتطلبه التفاوض في هذه الجولة وخاص بالترتيبات الأمنية قبل الانتقال إلى بقية القضايا الأخرى؟
– طبيعة الحوار من جانبنا أنه حوار لحل مشكلة السودان كله، وهو حوار في مرحلة جديدة وفي تطورات جدية والبلد في مفترق طرق.
{ مقاطعاً له: دعوة الآلية الأفريقية برئاسة “ثامبو أمبيكي” وجهت الدعوة للوفود لوقف إطلاق النار؟
– هذه قضية سودانية، والمشكلة مشكلة سودانية، والمأساة مأساة سودانية، ومجرد التذرع بمثل هذه الذرائع هذا يدل على عدم الجدية، نحن السودانيين نحدد ماذا نقول وماذا نريد وكيف نحل مشكلة بلدنا، لكن عندما تتخفى حول قرارات وحول الآلية قالت وعملت، هذه ألاعيب نحن مررنا بها خلال (25) عاماً ولا تنطلي علينا.
# لديكم إعلان سياسي جديد ما بين قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية وحزب الأمة القومي، ألا تخشون من تكرار تجربة التجمع الوطني الديمقراطي؟
– لا أبداً، هذا حقيقة بالضبط نحن ما تعلمنا الدرس منه، تجربة التجمع الوطني الديمقراطي كانت تجربة رائدة وقائدة وكان يمكن أن تحل مشكلة السودان وتحافظ على وحدته وحقيقة كان يمكن أن تنقذ السودان من كثير من الدمار والموت والخراب. لكن القيادات لم تكن صلبة بالدرجة التي تصمد أمام هجمة الحكومة للتفتيت فحدث التفتيت، ونحن بالضبط وجودنا الآن رغم المسارين نشرف على تلك المفاوضات من لجنة الإشراف، الحكومة ذهبت في المسارين ووجدت نفس القضية ونفس الرؤية في الحل الشامل وإنهاء معاناة الشعب السوداني، نحن تجاوزنا وتعلمنا من درس وتجربة التجمع الوطني الديمقراطي وكذلك من تجارب اتفاقيات “القاهرة” و”نيفاشا” و”أسمرا” و”أبوجا”.
{ لكن قوى الإجماع الوطني لديها خلافات داخل مكوناتها من الأحزاب؟
– هذا شيء طبيعي، في كل التحالفات تكون هنالك بعض الخلافات، ويمكن الخلافات في المؤتمر الوطني وصلت إلى الدائرة الضيقة للقيادة، وهذا طبيعي في ظل الوضع في السودان وفي ظل مشاكله، هذا أمر طبيعي، ولكن هذا لا يمنع أن تلتقي هذه القوى السياسية هنا – “أديس أبابا” – وأن نطلع بما يرجوه الشعب السوداني.
{ هل سنسمع بكيان معارض جديد من “أديس أبابا”؟
– أبداً، ليس هنالك كيان جديد والمعارضة هي موجودة، والذي ستسمعون به بإذن الله هو مزيد من التكاتف ومزيد من التوحد ومزيد من الإصرار والوضوح في الرؤية.
{ الأحزاب السياسية في “أديس أبابا” بوفود عالية المستوى وتمثيل على مستوى الرؤساء، كيف ترى وجودهم؟
– نعم، طبعاً مجرد التواجد هو مساهمة إيجابية وهم أتوا أصلاً دعماً لقضية السلام وأتوا لدعم قضية الحوار ويحملون أشواق وتطلعات الشعب السوداني من أجل الاستقرار والسلام بعد المعاناة التي طال أمدها. مجرد مجيئهم هم سند، ونحن على يقين أن هذا الحضور السياسي المكثف في “أديس أبابا” وهذا الحضور بالمستوى العالي هو بداية الحل وأن الشعب السوداني استشعر مسؤوليته في قياداته وقواعده وسيحسم أمره، وهذه رسالة واضحة للمؤتمر الوطني والحكومة التي عاشت لربع قرن من الزمان على سياسة فرق تسد وزرع الشقاق والفتنة، وهذا عهد قد انتهى ونتمنى أن يكونوا قد اقتنعوا ليسهلوا الأمر عليهم هم أولاً، وعلى أبناء الشعب السوداني، ولتكون نهاية هذه المأساة.
{ كيف ترى السودان في المستقبل؟
– نحن بيننا وبين المستقبل سد منيع وحائط برلين سوداني، ونحن نريد أن نكسر هذا الحاجز ونتجاوز هذا الحاجز لنرى هذا المستقبل ونسير في طريق المستقبل، ونحن نرى المرض في البلد هو سطو حزب واحد من أيدلوجية واحدة ومحاولة إقصاء الآخرين، والقضية ليست المعاناة الاقتصادية لأنها من آثار المرض، (80%) من الدخل القومي يصرف على الأمن والقتال. وإذا لم ينتبه الشعب غداً سيكون أسوأ.
{ كيف هي علاقتك مع مولانا “محمد عثمان الميرغني”، وماذا بخصوص وحدة الفصائل الاتحادية؟
– علاقتي الشخصية لم تتأثر ولن تتأثر فهي علاقة مربوطة بالأدب الصوفي ومربوطة بالعمل لفترات طويلة تشرفت به، وكان بيننا الود والاحترام، نعم الآن هنالك خلافات سياسية، لكن هذه خلافات في الرأي، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولم تنقطع اتصالاتي معه ولن تنقطع اتصالاتي أصلا. ولديَّ رأي في وحدة الكيانات السياسية كلها ناهيك عن وحدة الاتحاديين، لن تكون هنالك وحدة في ظل نظام المؤتمر الوطني لأنه يعمل في واقع التفتيت والشكوك والفتن، سيكون هنالك مزيد من التفتت السياسي بعد أن تفتتت الأرض بانفصال جنوب السودان.