الماسونية السودانية.. هل ذهبت مع الريح؟!
بقلم – عادل عبده
الأيديولوجية الماسونية لوحة متشابكة من التوصيف والآراء المتداخلة والإشارات الغامضة والمخيفة التي تستعصي على الإدراك الواضح. والبعض يرى أن الماسونية تحمل توجهات مرتبطة بالأهداف النبيلة والمنهج الإنساني الكريم، بينما توجد فئة أخرى تنظر إلى الماسونية على أساس أنها تحمل أفكاراً شريرة ومنبوذة وأجندة صهيونية ماكرة.
والماسونية لغز دفين أكثر دهشة من السحر والخيال والمحطات المربكة، غير أن هنالك من يرى أنها تمثل قوانين منضبطة وإيقاعات ساحرة ورجال أقوياء على امتداد الكرة الأرضية، بل هي في نظرهم منظمة سياسية واقتصادية عملاقة تضم طوائف كثيرة تحاول التغلغل في وسائل الإعلام والمال والمذاهب الدينية بطلاء عجيب يضرب في الأعماق السحيقة دون أن يشعر به أحد، لتكون لهم الغلبة على مسارات انتظام الحياة.
عملية الانضمام للماسونية تقوم على قسم قوي بأن يحلف العضو بالكتاب المقدس الذي يؤمن به وأن لا ينشر أسرار وتحركات المجموعة التي يتعامل معها، ثم بعد ذلك يندرج في الاجتماعات والتواصل في إطار خدمة العقائد الأخلاقية والسياسية والاجتماعية للتنظيم، فضلاً عن ممارسة الطقوس الماسونية المتعلقة بالرموز والمحفل والقواعد والمراسم.
مثلما جاءت الشيوعية والإخوانية الأصولية من مصر إلى بلادنا، فقد هبت رياح الماسونية إلى السودان من أرض الكنانة، حيث أقيم أول محفل ماسوني هناك في الإسكندرية في منتصف القرن السابع عشر خلال الحملة الفرنسية على مصر، ثم ازدادت وتيرة الماسونية بعد أن صارت شعاراً كبيراً في أيدي الحكام يومذاك، ابتداءً من “محمد علي باشا” والخديوي “إسماعيل” والخديوي “توفيق”، حتى بلغت المحافل أكثر من (65) محفلاً مع مرور الأيام.. هكذا جاءت إلينا عاصفة الماسونية عن طريق الطلاب السودانيين الذين كانوا يدرسون في أرض الكنانة في تلك الفترة.. علاوة على ذلك، فقد لعبت (حملة كتشنر) على بلادنا دوراً متعاظماً في التبشير بالمذهب الماسوني الذي اعتنقه بعض صفوة المجتمع يومذاك.
في الصورة المقطعية، كانت الماسونية السودانية شعلة متوهجة في الخمسينيات والستينيات من خلال مساهمات بعض اليهود السودانيين والأقباط والوطنيين من أصحاب البيوت الكبيرة، فقد كانوا يجتمعون في أندية الشوام والأغاريق ونادي السكة الحديد الثقافي بعطبرة، فضلاً عن اللقاءات السرية.. توهج الماسونية السودانية صار في طريقه إلى الزوال رويداً رويداً، استناداً إلى خطورة الفكرة وابتعادها عن الإرث الوطني والتربة السودانية، وما يحيط بها من ضبابية وألغاز ومعايير خداعة وأوصاف قبيحة!! ومن هنا يبرز السؤال المنطقي.. هل الماسونية السودانية ذهبت مع الريح؟؟ وقد لا ينكر أحد أن بعض النخب والرموز في بلادنا بأعداد صغيرة ما زال يتمسك بالمنهج الماسوني على خجل!! وربما تجدهم في بعض الطوائف السياسية العتيقة والشخصيات الفنية بألوانها المتعددة والمفكرين العلمانيين وقليل من الرموز المايوية.. فهؤلاء يحاولون ابتداع كيمياء تتفاعل مع عنصر الحياة الضاغطة من خلال الغوص في الأفكار الماسونية القديمة وهم يراهنون على الجانب الذي لا يلامس المساحات الخطرة في الفكرة.
مهما يكن، فإن الماسونية السودانية تختنق وتتضاءل بفضل العاصفة العاتية والحصار التلقائي.. وحمولة المنهج الثقيل قصمت ظهر الذين حملوا فكرته حيناً من الدهر!!