(الحكم الذاتي) يحرك القضايا السودانية نحو تطور جديد
عقب طرح (الشعبية)
تقرير – صلاح حمد مضوي
تقول الرواية الشعبية في دولة (ناختشيوان) التي احتفلت بمناسبة مرور (90) عاماً على حصولها على الحكم الذاتي، وهي واحدة من أول المستوطنات البشرية القديمة وأحد المراكز الثقافية العريقة التي قام على أرضها التراث التاريخي والعلمي والثقافي الغني للشعب الأذربيجاني، إن اسمها يعني (مسكن أصحاب النبي نوح). وما بين الاحتفالات بالحكم الذاتي والمطالبة به تتغير البلدان وتتبدل، حتى أن دولاً جديدة تخرج عبر هذه البوابة، الأمر الذي يثير حفيظة أغلب الأنظمة الحاكمة في وقت تنظر فيه الكثير من الشعوب المطالبة بحقوقها على أن الحكم الذاتي يمثل أساساً للعدل ومنح الحقوق المختلفة. ومثلت مطالبة الحركة الشعبية لتحرير السودان بالحكم الذاتي لولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان، تطوراً سياسياً مهماً مازالت تداعياته تتفاعل.
حقائق
نقطة مهمة وهي أن هناك فرقاً جوهرياً بين الحكم الذاتي والفدرالية، فالأخيرة فقط لتسهيل تسيير دولة كبيرة ذات المساحة الشاسعة، لكن تشترك كلها في لغة واحدة، ماضٍ واحد، مستقبل واحد، وسياسة مركزية واحدة، إلا أنه يترك لها التسيير المحلي لشؤونها (ألمانيا والصين نموذجاً). أما الحكم الذاتي فهو نظام يتم فرضه على إقليم مدمج بغير إرادته في بلد كبير بالقوة أو بالجغرافيا أو بالتاريخ (أسبانيا نموذجاً).
وكانت دولة (إريتريا) ثارت على الحكم الذاتي الذي منحته لها الأمم المتحدة على الرغم من احتجاج (إثيوبيا) فحصلت على استقلالها في العام (1993)، بينما رفضت (تيمور الشرقية) الحكم الذاتي الذي منحته لها الأمم المتحدة في العام (1999) وثارت عليه حتى استقلت في العام (2002). وفي العراق أيضاً يناضل الأكراد- رغم (تمتعهم) بالحكم الذاتي- من أجل الحصول على استقلالهم، وفي أسبانيا التي كانت نموذجاً (لنجاح) الحكم الذاتي لم يكن الأمر كذلك، فالشعبان (الباسكي) و(الكتلاني) لم يسكتا أبداً عن حقهما في الحرية من أجل تقرير المصير التام. وهنالك العديد من دول العالم حالياً لديها تخوفات من حصول بعض أطرافها على الحكم الذاتي، ففي الوقت الذي يطالب فيه (الأكراد) ببناء دولتهم كهدف كبير تتخوف (تركيا) على سبيل المثال كثيراً مما يحدث على حافة جدارها الحدودي. وفي مقدمة المخاوف هذه، (احتمال) أن يؤسس حزب (الاتحاد الديمقراطي) – الذي حصل على شرعية حديثاً بتحالفه مع الولايات المتحدة- كياناً كردياً جديداً على حدود تركيا، مما سيحرض الأكراد الأتراك على السعي للحصول على (حكم ذاتي). وقال تقرير نشرته شبكة (ميدل إيست أونلاين)، إنّ (أوهام الخليفة التركي،”أردوغان” هُزمت أمام (نبوءة) الرئيس السوري “بشار الأسد”.
الحكم الذاتي
والحكم الذاتي نظام سياسي وإداري واقتصادي يحصل فيه إقليم أو أقاليم من دولة على صلاحيات واسعة لتدبير شؤونها، بما في ذلك انتخاب الحاكم والتمثيل في مجلس منتخب يضمن مصالح الأقاليم على قدم المساواة، و بناءً عليه تكون الفدرالية شكلاً متقدماً من أشكال الحكم الذاتي، والحكم الذاتي نقيض للمركزية، حيث تحتاج الدول التي تمارسه إلى أن تتخلى سلطاتها المركزية عن جزء مهم من صلاحيات تدبيرالأقاليم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً لتتم ممارسته على المستوى المحلي. ونماذج الحكم الذاتي في العالم كثيرة متعددة، وحجم الصلاحيات التي تتمتع بها الولايات والأقاليم موضوع الحكم الذاتي يختلف من حالة لأخرى، ويخضع للتطور، ويمارس الحكم الذاتي في كل قارات العالم، ويمكن القول إن معظم الدول الكبيرة كثيفة السكان تطبق الحكم الذاتي جزئياً أو كلياً، وتطبق كل الدول الفدرالية الحكم الذاتي، وهو يشكل أساس النظام الفدرالي. ومن نماذج الدول التي تعتمد النظام الفدرالي بشكل رسمي ومنصوص عليه في دساتيرها، دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين واستراليا والنمسا وبلجيكا والهند والعراق في إقليم (كردستان).
وهنالك ملاحظة في هذا الموضوع مفادها أن هنالك دولاً تطبق الحكم الذاتي من غير الفدراليات، ولتحديد مدى تطبيق دولة للحكم الذاتي، يمكن اعتماد معيارين هما توفر الأقاليم على برلمانات منتخبة خاصة بها – انتخاب حاكم الإقليم بدل تعيينه من طرف السلطة المركزية، والدول التي تستجيب لهذا المعيار هي (جنوب أفريقيا) التي تتكون من تسعة أقاليم تتوفر على برلمانات تمتلك الصلاحيات التالية:وضع وتعديل دستور للإقليم- وضع تشريعات للإقليم في إطار الصلاحيات التي يحددها الدستور الوطني ويمثل كل إقليم(10) مناديب في الغرفة العليا من مجلس النواب المسماة بمجلس الأقاليم. وينتخب برلمان الإقليم من بين أعضائه وزيراً أول يكون بمثابة حاكم للإقليم، ويمارس صلاحيات تنفيذية واسعة في حدود إقليمه.
وبينما يرى مراقبون أن طرح الحكم الذاتي أمراً إيجابياً ربما يسهم في حل المعضلة السودانية التي مازالت قائمة منذ استقلال السودان، بين الهامش والمركز وبسبب مشاكل الهوية ومشكلة الدين والدولة والعديد من الإشكالات الأخرى، ويفضلها آخرون عوضاً عن الانفصال.
ولكن لمدير مركز “محمد عمر بشير” للدراسات السودانية البروفيسور”معتصم أحمد الحاج” قراءة أخرى، إذ يرى أن طرح الحركة الشعبية ما هو إلا جزء من مخطط أعدته المنظمات المهتمة بالقضايا السودانية بالخارج، كما كشفت ذلك (المدونة العالمية لجبال النوبة) حيث أعدها عدد كبير من الباحثين من دول مختلفة ذكرت ثلاثة سيناريوهات أولها يتمثل في المطالبة بالحكم الذاتي الكامل – شبه استقلال، تليه الخطوة الثانية وهي المطالبة بحق تقرير المصير، إما بالانضمام إلى دولة جنوب السودان أو حكماً ذاتياً بصلاحيات أكبر، في حين يتحدث السيناريو الثالث عن تحالف لحركات دارفور وكردفان لقيام دولة (الغرب) الكبرى، كما قال وزاد: هذه السيناريوهات كلها خارجية، ونحن في السودان بلا وعي لازلنا نناور ونجزئ في القضايا بينما الأمر يحتاج إلى جدية وصدق للحفاظ على ما تبقى من السودان، حتى لا نمهد الأرضية للمخططات الأجنبية. وفي السياق يقول المختص بقضايا التماس الدكتور “محمد بابو نواي” إن الحركة الشعبية أحياناً ما تطرح أشياء للمناورة السياسية أو بهدف كسب بعض النقاط، بينما توقعت الحكومة أن يتم التفاوض حول المنطقتين، ولكن ما حدث هو أن الحركة الشعبية تحدثت عن (الحل الشامل)، وبالتالي فإن الطرح ليس غريباً، بحيث كان يمكن للحكومة أن توافق عليه وهذا الفرض جعل الحركة تدفع بهذا الكرت الرابح الذي سيحقق لها العديد من المكاسب.
المساواة في الحكم الذاتي
أخيراً وفي سياق طرح الحكم الذاتي هنالك مفهوم مأخوذ من الفلسفة السياسية التي يدعمها (أمارتيا سين)، تتحدث عن المساواة في الحكم الذاتي وهي تقترح أن المجتمعات يجب أن تبذل قصارى جهدها من أجل مساعدة الأفراد للحصول على فرص متساوية في الحكم الذاتي أو التمكين، وهذا يعني أن الأشخاص يجب أن تكون لديهم (القدرة والوسائل اللازمة لاختيار مسار حياتهم)، وهو ما يجب أن يتم نشره بشكل متساوٍ قدر الإمكان في المجتمع ككل، وهي تركز بشكل متساوٍ على التمكين بشكل أكبر من المساواة في السلع أو المساواة في الفرص. ويحظى المفهوم بتركيز مختلف قليلاً عن المفاهيم ذات الصلة والمتعلقة بالمساواة، مثل قيمة المساواة في العلاج بدون تمييز أو تحيز في أماكن مثل أماكن العمل، وهو ما يعرف بصفة عامة باسم المساواة في الفرص، والمساواة في توفير الثروات المادية، والمعروف بصفة عامة باسم المساواة في الناتج. وينظر إلى المساواة في الحكم الذاتي بأفضل شكل ممكن على أنها مساواة في درجة تمكين الأشخاص لاتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم، وهي تهدف إلى نشر هذا التمكين بشكل واسع النطاق بحيث يتاح للأشخاص المزيد من الاختيارات والسيطرة مع أخذ الأوضاع والظروف في الاعتبار. وحسب الرؤى، تتطلب منهجية(سين) التدخل النشط للمؤسسات مثل الدولة في حياة الأشخاص، ولكن بهدف دعم الإبداع الذاتي للأشخاص وليس ظروفهم الحياتية، والقدرة على تحويل المدخلات إلى فرص تتأثر بفروق فردية واجتماعية متنوعة؛ بما يعني أن بعض الأشخاص سوف يحتاجون، بشكل أكثر من الآخرين، إلى تحقيق نفس نطاق القدرات.