الديوان

النحاس المعدن الأصيل والرمز النبيل

صوت باقٍ.. وأوانٍ بائدة

تقرير ـ نهلة مجذوب
النحاس من المعادن ذات القيمة الضاربة في العراقة والأصالة، بالإضافة إلى قيمته كمعدن يتميز بصوت صدى ونغم مؤثر ارتبط عند القبائل العربية كرمز للفروسية والشهامة والشجاعة والفخر والشكر، ولذلك دائماً ما تجده حاضراً بقوة في أشعار وأغنيات الحماسة (من عصراً كبير حس النحاس كحه الفارس برق والخائن أتنحى)
والنحاس شكّل وجوداً كبيراً في الحياة السودانية منذ قديم  الزمان وأصبح جزءاً من ثقافة وعادات وتقاليد العديد من القبائل السودانية، ومعظم هذه القبائل تستخدم إيقاع النحاس في الحروب لرفع الروح المعنوية للمقاتلين وإلهاب الحماس، هذا بالإضافة الأواني النحاسية التي كان وجودها شيئاً مهماً في البيوت السودانية، وكذلك استخدامه كمعدن نفيس في صناعة الحلي والإكسسوارات والتي ما تزال تستخدمها النساء والرجال.  
تحول من أوانٍ للضيافة إلى قطع ديكور
ولأن للنحاس قيمته ومكانته كان لابد أن نلتقي بواحدة من السيدات اللائي عاصرن زمن سطوة وبريق معدن النحاس  وعاشت أيام توهجه، تقول “عائشة أحمد” عن النحاس: بالفعل كان ذا قيمة عالية موجود في المنزل كأوانٍ أو إيقاع كـ(الطبول)، مبينة أن (قداحات) جمع (قدح) والتي هي من النحاس كانت تصنع خصيصاً لتقديم الأطعمة خاصة (العصيدة) كرماً للضيوف والأعزاء، وأضافت أنها ما تزال تحتفظ بأية قطعة نحاسية في بيتها كنوع من الديكور بعدما أصبحت جدة وكثيراً ما يسألها أحفادها عنها خاصة الصواني المنقوشة والأباريق الراقية، فهي معلقه على جدران غرفها وتشكل أناتيك راقية ونادرة، لافته إلى أن صلاحية استخدامها في هذا الزمان لأسباب صحية كأوانٍ للطعام والشراب، بجانب غلاء أسعارها وعدم توفر جودة معدن النحاس كما السابق.
 
زبائن يقدسون معدن النحاس
صاحب محل بازار (الزعيم) بسوق أم درمان لبيع الأناتيك أوضح لـ(المجهر) أن آنية النحاس تعد الآن رمزاً تاريخياً وتراثاً قيماً رغم اختفائها في البيوت السودانية التي كانت تحتفظ بها، مبيناً أن كثيرين يأتون لبيعها نسبة للضائقة المالية والحاجة، وأن (البازار) الذي يحوي في طياته أشكالاً مختلفة الصنع من النحاس معظم الذين يأتون لشرائها هم من يقدسون هذا المعدن كأثر تاريخي وثقافي أصيل، مشيراً إلى أن أسعارها مناسبة، وقال إن محله يحتوي على عدد من  الأواني النحاسية مختلفة الأشكال منها الصواني والقداح والأكواب والأباريق ومعظمها كانت في بيوت عائلات عريقة يهتمون بها.
   أنغامه حاضرة في الأفراح أو الأتراح
وفي قلب العاصمة الخرطوم وبمنطقة (حلفاية الملوك) العريقة ما يزال أحفاد (ملوك العبدلاب) يضربون النحاس وتشارك النسوة فيه، مؤمنين بعادات الجذور وثقافتها، فتخرج أنغام النحاس رائعة تناسب الحدث المهيب سواء في الأفراح أو الأتراح.
حفرة النحاس
والنحاس المعدن الزاهي الذي يتميز بلونه النحاسي الجاذب يشكل مورداً اقتصادياً مهماً وكبيراً، ويعد السودان رابع أكبر مخزون من النحاس في العالم مما يجعل أطماع الدول المتقدمة كبيره فيه. وأغلب الخلافات توجد بالمناطق الغنية بالنحاس مثالاً دارفور وصراع (حفرة النحاس) الغنية التي هي الآن مثار خلاف بين دولتي “السودان” و”جنوب السودان” بعد الانفصال.
إعلام شعبي وإعلان للحرب
وتوضح الباحثة في الفلكلور والتراث الشعبي “آيات النور” أن النحاس يعود إلى ما قبل (مملكة الفونج) ولديه العديد من الوظائف أولاً عبارة عن إعلام شعبي لإعلان الحرب وكذلك لبعض المناسبات مصحوب برموز للمخاطبة بين الزعماء والأفراد، أي على حسب الدقات ونوعها يفهم سبب المناسبة أو الاجتماع ويحفظ في أماكن محددة، وتختلف أنواع النحاس حسب المناسبات، فلكل مناسبة نحاسها وإيقاعها، وعند مناسبات الأفراح لديه وقع خاص تطرب له النفوس حتى تذهب إلى الموت بقدميها. ولا يقتصر دق النحاس على الأفراح فقط بل عند وفاة شيخ أو زعيم، فيضرب النحاس لعدة أيام دلالة على الجزع وفداحة الأمر، وترى أن سره يكمن في تلك الأحاسيس المتداخلة التي تتربص بالإنسان وتأخذه دون أن يعي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية