إعلام المناضلين
اتفقت أطراف التفاوض والوساطة في محادثات المنطقتين على تجاوز العدائيات الإعلامية، وهو توجه ظاهره الرأفة بسير العملية التفاوضية خاصة من جانب المتمردين بقطاع الشمال، وباطنه تحييد الإعلام، رغم أنها فتحت الحدث لكل من هبّ ودبّ من كوادرها تحت غطاء التغطية الإعلامية وهم ليسوا بصحافيين وإنما حشود من الناشطين القادمين من كل أصقاع الدنيا، هولندا وكندا فضلاً عن السودان، وهؤلاء ما كانوا إعلاميين وإنما صناع تظاهرة إعلامية ينصرف جل نشاطهم في قضاء الوقت بثرثرات من شاكلة سبّ الحكومة والتكأكؤ حول زعيم السودان الجديد المناضل “ياسر عرمان” بقدر يجعله يسير مختالاً وسط الحشد بشكل يثير عادة ويلفت نظر الحاضرين من الأجانب غير السودانيين.
حضرت الـ(بي بي سي) و(نيويورك تايمز)، ومرت (الشروق) من هناك وقدمت تغطية تعدّ الأميز من خلال موفدها “إسماعيل جبريل”، وكان التلفزيون السوداني مساهماً، وبرزت الإذاعة السودانية وتميزت كالعادة في المتابعة والمواكبة، وجاء شباب الـ(S.M.C) فضجت منهم الحركة الشعبية وتضجرت، ومارس (شبارقة) مهارته في التصويب والانفرادات، ولم يغب (عربي) بتخصصه في جنوب كردفان، وكان بالإجمال الوفد الإعلامي رائعاً ونقل الوقائع والكواليس دون تحامل وإنما لوجه الحقيقة، وعلى العكس كان آخرون وتحت غطاء الإعلام يتحركون بعقلية النشطاء المسيسين، فتحولت ردهات الـ(ردسون بلو) بأديس أبابا إلى معرض لممارسة القطيعة في الحكومة والحزب الحاكم وإطلاق التمنيات بانتفاضة لست أدري من يصنعها وغالب الناشطين قد تحولوا إلى مناضلين من الزهرة الجديدة!
الوفد الحكومي المفاوض لا يتواصل عادة مع الإعلام إلا حين الحاجة لإعلان موقف أو تصريح، ويتم ذلك بشفافية عالية وجهراً، فيما تبقى الحركة الشعبية دوماً ناشطة في التواصل بالإيميلات مع صحافة الداخل أو تلك الموجودة في أرض الحدث، وكان الناطق الرسمي باسم وفدها وقبل كل جولة يراسل المؤسسات والصحفيين والمدونين مستفسراً عن الوفد الذي يشارك في التغطية ومن هم، وعادة لا يمر يوم أو نصف يوم إلا ويرسل بياناً غاضباً يحشوه كالعادة بالشتائم والإهانات دون أن يقدم معلومة مفيدة أو قولاً معتبراً! وإني أقول إن وقف العدائيات الإعلامية ستلتزم به الحكومة لأنها أثبتت بكثير من الشواهد والسوابق أنها قادرة على الالتزام بما تقول، لكن الطرف الآخر لا يملك شيئاً حقيقياً يقدمه إلا تسويق مواقفه المتناقضة عبر الإعلام، ولهذا لم يكن مفاجئاً لي أن يطلق “ياسر عرمان” دعوته لمطالبات بالحكم الذاتي للنيل الأزرق وجنوب كردفان، وهي فكرة للأسف نبعت من (ونسات) إعلاميي كل من هبّ ودبّ الذين أشرت إليهم من قبل، إذ جلسوا عشاء ذات يوم ودلقها أحدهم وشدّد عليها فخرجت للإعلام موقفاً من “عرمان” وهو يظن أنه يحسن قولاً.
أن الإعلام الوطني، الحكومي والخاص أثبت بشكل قاطع أنه أكثر مهنية والتزاماً أخلاقياً من إعلام المناضلين في محادثات أديس أبابا وقد كنا هناك وشهدنا، (ما قالو لينا).